الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      4- تحريك التفاعل التربوي مع القانون استنادا لمشروعيته:

      في العادة يرفض الناس القانون، الذي يتصادم مع ما يؤمنون به من مبادئ وأحكام، ولا يميلون إلى القوانين، التي لا تعبر عن مصالحهم واتجاهاتهم، وليس المجتمع المسلم بدعا من ذلك، فهو بإيمانه بالإسلام شريعة لا تسره القوانين، التي تتنـكر لمـا يؤمـن به أو ما يتـوق إليه. فمثـلا، القوانين، التي يصـوغها محتل غاز أو يفرضها حاكم مستبد، أو تضعها فئة متحيزة، من الطبيعي أن لا تجد قبولا عند الناس، بل قد يتسابق الكثير منهم على مخالفتها أو الخروج عليها.

      وفي واقعنا العربي والإسلامي المعاصر، لا يتردد البعض من التحايل على بعـض القواعـد والأحـكام القـانونية ذات الأصـل الأجنبـي أو الوضعي والتي [ ص: 84 ] لا تتوافق مع أحكام الشريعة أو مصالح الجماعة. وقد يجد بعض هؤلاء مسوغه في ذلك التحايل بمنطق الإسلام أو بآراء بعض فقهائه، كما في حالات التهرب من قوانين الضرائب أو الجمارك أو القوانين التي لا أصل لها في الشرع أو التي تصب في خدمة الأجنبي أو السلطة غير الشرعية.

      وفي إطار النظام الإسلامي، حيث يستمد القانون مشروعيته من الشريعة، فإنه من المنطـقي أن يلقى القبـول أو الرضـا، سـواء كانت مصـدريته قطعيـة أو اجتهادية، وهو في الحالتين يعبر عن إيمان الناس وإرادتهم وثقافتهم الدينية، فضلا عن اعتقادهم بأن مصالحهم تكمن في ذلك القانون، فالقانون الذي يمنع أكل مال اليتيم بغير حق يعكس ولا شك موقفا شرعيا وإنسانيا له احترامه بين المؤمنين. والقانون الذي يحكم بدفع الزكاة يقر به المؤمنون، بل يتقدمون لتنفيذه طواعية على اعتبار أن الزكاة فريضة دينية قبل أن تكون قانونا.

      ولعلنا نلمس كيف أنه في ظل تصاعد الإيمان الديني في العديد من الدول الإسلامية أضحى موضوع تطبيق القوانين المستقاة من الشريعة الإسلامية مطلبا شعبيا في وقت تعلو فيه صيحات الرفض للقوانين الوضعية المستوردة.

      كما أن القيـام بواجب الجنـدية في ظل النظام الإسلامي الشـرعي لا يستدعيه مجرد الشعور الوطني، بل كونه فريضة تندرج تحت عنوان ديني هو "الجهاد"؛ والمشاركة في حماية النظام أو الدفاع عن الشرعية السياسية لا تتم بصفتها التزامات سياسية أو واجبات قانونية حسب، بل باعتبارها ممارسات من أعمال التعبد ومقتضيات حكم الطاعة والنصرة. [ ص: 85 ]

      والاعتقاد بشرعية القانون قد يدفع من يقع في الخطأ إلى الاعتراف بخطئه والتقدم إلى السلطات مطالبا بأن يوقع عليه الجزاء المقرر. وفي قصة المرأة الغامدية، رضي الله عنها، التي ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: "يا رسول الله، طهرني" [1] ، أي طلبت منه إيقاع العقاب، الذي تستحقه نتيجة اقترافها الفعل المجرم، خير شاهد على ذلك.

      إن القانون الإسلامي المستمد من أحكام الدين حين يؤمن به الناس يكتسب احترامه الاجتماعي، وقد يتقيدون به طواعية ويعدون الخروج عليه بمثابة الاعتداء على الشريعة والشرعية، بل أن من يفكر بالخروج على القوانين الشرعية قد يعرض نفسه إلى السخط العام وربما يكون محلا لجزاءات اجتماعية.

      والتربية الإسلامية وهي تؤكد على واجب الالتزام بالقانون، تحث على حماية قواعده في إطار فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تحت عنوان "الحسبة"، الذي عرفته الحضارة الإسلامية، حيث يتطوع البعض لمنع التجاوز أو الخروج على النظام العام سواء بمبادرة ذاتية أو بالتعاون والتنسيق مع السلطات الرسمية.

      والحقيقة أنه كلما ترسـخ الوعي بأهمية الشرعية القانونية في المجتمع، كلما ظل القانون محميا بالقاعدة الشعبية، حتى أن أية محاولة للتحريف أو التبديل في ثوابته سيواجه برفض عام أيا كان مصدر ذلك التحريف أو التبديل. [ ص: 86 ]

      التالي السابق


      الخدمات العلمية