الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2943 19 - حدثنا سعيد بن محمد الجرمي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي: أن الوليد بن كثير حدثه عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي قال: حدثه أن ابن شهاب حدثه أن علي بن حسين حدثه: أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: لا، فقال له: فهل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبدا حتى تبلغ نفسي؛ إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها، ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه، قال: حدثني فصدقني ووعدني، فوفى لي، وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته لجزء الترجمة الذي هو، قوله: " وسيفه " وسعيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي بفتح الجيم وإسكان الراء الكوفي، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، يكنى أبا يوسف، أصله مدني، كان بالعراق يروي عن أبيه إبراهيم بن سعد، والوليد بفتح الواو ابن كثير، ضد قليل المخزومي من أهل المدينة، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، بفتح الحاءين المهملتين وسكون اللام الأولى الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة ويروى بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  والحديث رواه مسلم في الفضائل عن أحمد بن حنبل رحمه الله.

                                                                                                                                                                                  ، قوله: " المدينة " أي المدينة النبوية. قوله: " مقتل الحسين " كان ذلك في سنة إحدى وستين يوم عاشوراء. قوله: " المسور بن مخرمة " بكسر الميم في المسور وفتحها في مخرمة، ولهما صحبة، قوله: " معطي " بضم الميم وسكون العين وكسر الطاء وتشديد الياء، يعني هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم إياي، وكون السيف عند آل علي رضي الله تعالى عنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه لعلي رضي الله تعالى عنه في حياته، ثم انتقل إلى زين العابدين، أو أعطاه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ثم انتقل إلى آله، والظاهر أن هذا السيف هو ذو الفقار؛ لأن سبط ابن الجوزي ذكر في تاريخه ولم يزل ذو الفقار عنده صلى الله عليه وسلم حتى وهبه لعلي رضي الله تعالى عنه قبل موته، ثم انتقل إلى آله، وكانت له عشرة أسياف منها ذو الفقار تنفله يوم بدر.قوله: " أن يغلبك القوم عليه " أي يأخذونه منك بالقوة والاستيلاء.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 34 ] ، قوله: " لا يخلص " على صيغة المجهول معناه: لا يصل إليه أحد أبدا. قوله: " حتى تبلغ " بلفظ المجهول، أي حتى تقبض روحي. قوله: " إن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه " إلى آخره. إنما ذكر المسور قصة خطبة علي بنت أبي جهل ليعلم علي بن الحسين زين العابدين بمحبته في فاطمة، وفي نسلها، لما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: " خطب ابنة أبي جهل "، واسمها جويرية تصغير جارية بالجيم. وقيل: " جميلة " بفتح الميم. قوله: " إن فاطمة مني " أي بضعة مني. قوله: " أن تفتن في دينها " يريد أنها لا تصبر بسبب الغيرة. قوله: " صهرا له " الصهر يطلق على الزوج، وعلى أقاربه وأقارب المرأة، وأراد أبا العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، كان زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مناصفا له ومصافيا. مرت قصته في كتاب الشروط. قوله: " وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما " قد أعلم صلى الله عليه وسلم بذلك بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي رضي الله تعالى عنه، ولكن نهى عن الجمع بينها وبين فاطمة ابنته لعلتين منصوصتين: إحداهما أن ذلك يؤذيني؛ لأن إيذاء فاطمة إيذاء لي، والأخرى خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة.

                                                                                                                                                                                  وقالوا في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بكل حال، وعلى كل وجه؛ لأن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا، وهو في هذا بخلاف غيره، وقال النووي: ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما، ويكون معنى: " لا أحرم حلالا " أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله، فإذا أحل شيئا لم أحرمه، وإذا حرمه لم أحله، ولم أسكت على تحريمه؛ لأن سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله . والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية