الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال الرازي: السادس: "لو كانت الأدوار الماضية غير المتناهية كان وجود اليوم موقوفا على انقضاء ما لا نهاية له، والموقوف على المحال محال".

قال الأرموي: ولقائل أن يقول: انقضاء ما لا نهاية له محال، وأما انقضاء ما لا بداية له ففيه نزاع.

قلت: هنا نزاع لفظي ونزاع معنوي، أما اللفظي، فهو أنه إذا قدر تسلسل الحوادث في الماضي وعدم انقطاعها وأنها لا أول لها، فهل يعبر عن هذا بأن يقال: لا نهاية لها، أو يقال: لا بداية لها، ولا يقال لا نهاية لها؟ فالمستدل عبر بأنه لا نهاية لها، والمعترض أنكر ذلك، وهذا نزاع لفظي.

وذلك أنه يقال: هذا غير متناه، بمعنى أنه ليس له حد محدود، وقد يقال: "غير متناه" بمعنى أنه لا آخر له، ويقال "هذا له نهاية" أي: له آخر، و "هذا لا نهاية له" أي: لا آخر له، والحوادث الماضية إذا قدر أنها لم تزل، فإنه يقال: "لا نهاية لها" بالمعنى الأول، وأما بالمعنى الثاني: فقد انقضت وانصرمت ولها آخر. [ ص: 370 ]

وهذه الحجة اعتمد عليها أكثر المتكلمين كأبي المعالي ومن قبله وبعده من المعتزلة والأشعرية، وذكروا أنه اعتمد عليها يحيى النحوي وغيره من المتقدمين، وظنوا أن ما لا يتناهى يمتنع أن يكون منقضيا منصرما، فإن ما انقضى وانصرم فقد تناهى، فكيف يقال: إنه لا نهاية له؟ واشتبه عليهم لفظ "النهاية" لما فيه من الإجمال والاشتباه"، فإن الماضي له آخر انتهى إليه، فهو متناه بهذا الاعتبار، بلا نزاع وبهذا المعنى يقال: إنه انصرم وانقضى، وفرغ ونفد، وأما بالمعنى المتنازع فيه فهو أنه لا بداية له: أي لم تزل آحاده متعاقبة.

التالي السابق


الخدمات العلمية