الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا قيل: "إن السكون عدم الحركة" أمكن مع كون السكون أزليا من إثبات الحركة ما لا يمكن مع تقدير كونه وجوديا، وذلك أنه حينئذ لا تتوقف الحركة إلا على وجود مقتضيها وانتفاء مانعها، وليس هناك معنى وجودي أزلي يحتاج إلى زواله.

وقد أورد بعضهم على استدلاله على أن السكون أمر وجودي اعتراضا بالغا، فقال: هذا فيه نظر من جهة أن مقدمة الدليل مناقضة للمطلوب ؛ لأن المطلوب كونهما وجوديين، ومقدمة الدليل أن أحدهما وجودي، ولا يمكن تقريره إلا بما سبق، وهو يقتضي أن يكون أحدهما عدميا، فادعاء كونهما وجوديين بعد ذلك مناقض له. [ ص: 378 ]

قلت: وهذا كلام جيد، فإن الأمرين اللذين تبدل أحدهما بالآخر ورفعه: إن لزم أن يكون أحدهما وجوديا والآخر عدميا لزم أن تكون الحركة والسكون أحدهما وجوديا والآخر عدميا، وهو نقيض المطلوب، وإن جاز أن يكونا جميعا وجوديين أو عدميين بطل الدليل - وهو قوله: لأن تبدل أحدهما بالآخر يقتضي أن يكون أحدهما وجوديا، لأن المرفوع إن كان وجوديا وإلا فالرافع وجودي ؛ لأن رفع العدم ثبوت - فإنه على هذا التقدير يمكن رفع العدم بالعدم، والوجود بالوجود.

وإن قيل: بل يجب أن يكونا وجوديين، أو يكون أحدهما وجوديا، ولا يجوز أن يكونا عدميين ؛ لأن العدم لا يرتفع بالعدم كما يرتفع الوجود بالوجود والعدم بالوجود، أو بالعكس.

قيل: بل العدمان قد يتضادان كما قد يتلازمان، فكما أن عدم الشرط مستلزم لعدم المشروط، فعدم الأمور الواجب واحد منها ينافي عدمها كلها، فإذا كان الجنس لا يوجد إلا بوجود نوع له فصل امتنع مع وجود الجنس عدم جميع الأنواع والفصول، فكان عدم بعضها ينافي عدمها كلها.

وهذا كما يقال في التقسيم، وهو الشرطي المنفصل: قد يكون مانعا من الجمع والخلو، كقول القائل: العدد إما شفع وإما وتر، وقد يكون مانعا من الجمع فقط، كقول القائل: الجسم إما أسود وإما أبيض، وقد يكون مانعا من الخلو فقط، فما كان مانعا من الخلو فقط [ ص: 379 ] أو من الجمع: امتنع اجتماع العدمين فيه، فكما أن الشفعية تنافي الوترية في العدد فعدم الشفعية ينافي عدم الوترية، لا ثبوتها، فلا يحصل العدمان معا، بل إذا ثبت أحد العدمين لم يثبت العدم الآخر، فيكون الدعم رافعا للعدم.

وأيضا فمطلوب المستدل: أن تكون الحركة والسكون وجوديين، فإذا قال: "تبدل الحركة بالسكون يقتضي كون أحدهما وجوديا ؛ لأن رفع العدم ثبوت" كان إثبات كونهما وجوديين موقوفا على تقدير كون أحدهما عدميا، لأنه قال "لأن رفع العدم ثبوت" فإن لم يكن أحدهما عدميا لم يصح هذا، وإذا كان المرفوع عدميا امتنع أن يكونا وجوديين، والمطلوب كونهما وجوديين، فصار المطلوب مناقضا لمقدمة الدليل، كما ذكره المعترض.

لكنه قال: فالأولى أن يقال في تقريره: إن الحركة وجودية إجماعا، ولأنه مبصر، فوجب أن يكون السكون أيضا وجوديا بالتقرير الذي سبق.

التالي السابق


الخدمات العلمية