الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5319 3 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن سعد، عن عبد الله بن كعب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: "مثل المؤمن كالخامة من الزرع" لأن المراد من تشبيه المؤمن بالخامة في كونه تارة يصح وتارة يضعف، كالخامة تحمر ثم تصفر فلا تبقى على حالة واحدة.

                                                                                                                                                                                  ويحيى هو ابن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وسعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وعبد الله بن كعب يروي عن أبيه كعب بن مالك أبو عبد الرحمن الأنصاري، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في التوبة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وأخرجه النسائي في الطب عن محمد بن بشار به.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كالخامة" بالخاء المعجمة وتخفيف الميم هي الفضة الرطبة من النبات أول ما ينبت، وفي المحكم هي أول ما ينبت على ساق واحد، وقيل: هي الطاقة الغضة منه، وقيل:هي الشجرة الغضة الرطبة. وقال القزاز: وروي "الخافة" بالفاء وهي الطاقة. وقال الخليل: الخامة الزرع أول ما ينبت على ساق واحد، والألف فيها منقلبة عن واو. ووقع في مسند أحمد في حديث جابر: "مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر مرة" وله في حديث أبي بن كعب: "مثل المؤمن مثل الخامة تحمر مرة وتصفر أخرى".

                                                                                                                                                                                  قوله: "تفيئها الريح" أي: تميلها، وعن أبي عبد الملك أي: ترقدها، ومادته فاء وياء وهمزة، وأصله من فاء إذا رجع وأفاءه غيره إذا رجعه. وقال ابن قرقول: وفي رواية أبي ذر "تفيأها" بفتح التاء والفاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وتعدلها أخرى" بفتح التاء وكسر الدال أي: ترفعها، ويروى بضم أوله وفتح ثانيه والتشديد، وفي رواية مسلم "تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى، ومثل المنافق كالأرزة" وفي حديث أبي هريرة المذكور بعده: "ومثل الفاجر" وفي رواية مسلم "ومثل الكافر".

                                                                                                                                                                                  قوله: "كالأرزة" بفتح الهمزة وسكون الراء وبالزاي قال ابن قرقول: كذا الرواية. وقال أبو عبيدة: إنما هو الآرزة على وزن فاعلة، ومعناها الثابتة في الأرض، وأنكر هذا أبو عبيد بأن الرواة اتفقوا على عدم المد، وإنما اختلفوا في سكون الراء وتحريكه، والأكثر [ ص: 210 ] على السكون. وقال أبو حنيفة: راؤه ساكنة، وليس هو من نبات أرض العرب ولا السباخ، بل يطول طولا شديدا ويغلظ.

                                                                                                                                                                                  قلت: شاهدته في بلاد الروم في أراضي بين جبال طرسوس والأرندة وتكيدة، أما طوله فإن شجرة منه قلعها هبوب الرياح الشديدة من جبل ووصل طرفه إلى جبل آخر، وبينهما واد عظيم فصار كالجسر من جبل إلى جبل، وأما غلظه فإن عشرين نفسا وأكثر مسك بعضهم بأيادي بعض ولم يقدروا على أن يحضنوها. قيل: ولا يحمل شيئا، وإنما يستخرج من أغصانه الزفت. وقال قوم: الأرزة على وزن فعلة محركة العين -أي: الراء- قالوا: هو ضرب من الشجر يقال له الأرزن له صلابة. وقالوا: الأرز معروف واحدته أرزة، وهو الذي يقال له الصنوبر، وإنما الصنوبر ثمر الأرز. وقال الخطابي: الأرزة مفتوحة الراء الصنوبر، وقال ابن فارس: هي شجرة بالعراق تسمى الصنوبر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "انجعافها" أي: انقلاعها قاله ابن سيده. وقال الداودي: يريد كسرها من وسطها، ومادته جيم وعين مهملة وفاء، يقال: جعفته فانجعف مثل قلعته فانقلع. وقال المهلب: معنى هذا الحديث أن المؤمن من حيث جاءه أمر الله انطاع له ولان له ورضي به، وإن جاء مكروه رجا فيه الخير، وإذا سكن البلاء اعتدل قائما بالشكر لربه على البلاء، بخلاف الكافر فإن الله عز وجل لا يتفقده باختبار، بل يعافيه في دنياه وييسر عليه أموره ليعسر عليه في معاده، حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه قصم الأرزة الصماء; ليكون موته أشد عذابا عليه وألما.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية