الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5174 (وقال الشعبي: لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم)

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي قال عامر بن شراحيل الشعبي إلى آخره، والضفادع جمع ضفدع بكسر الضاد وسكون الفاء وفتح الدال وكسرها، وحكي بضم الضاد وفتح الدال، وفي (المحكم): الضفدع والضفدع لغتان فصيحتان والأنثى ضفدعة، وقال الجوهري: وناس يقولون "ضفدع" بفتح الدال، وقد زعم الخليل أنه ليس في الكلام "فعلل" إلا أربعة أحرف: درهم وهجرع وهبلع وقلعم، الهجرع الطويل، والهبلع الأكول، والقلعم الجبل، وزاد غيره الضفدع، وجزم صاحب (ديوان الأدب) بكسر الضاد والدال، وحكى ابن سيده في (الاقتضاب) ضم الضاد وفتح الدال وهو نادر، وحكى ابن دحية ضمهما، وقال الجاحظ: الضفدع لا يصيح ولا يمكنه الصياح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء، وهو من الحيوان الذي يعيش في الماء ويبيض في الشط مثل السلحفاة ونحوها، وهي تنق فإذا أبصرت النار أمسكت، وهي من الحيوان الذي يخلق من أرحام الحيوان ومن أرحام الأرضين إذا لحقها الماء، وأما قول من قال: إنها من السحاب، فكذب وهي لا عظام لها، وتزعم الأعراب في خرافاتها أنها كانت ذات ذنب وأن الضب سلبه إياها، وتقول العرب: لا يكون ذلك حتى يجمع بين الضب والنون وحتى يجمع بين الضب والضفدع، والضفدع أجحظ الخلق عينا، ويصبر عن الماء الأيام الصالحة، وهي تعظم ولا تسمن كالأرنب، [ ص: 107 ] والأسد ينتابها في الربيع فيأكلها أكلا شديدا، والحيات تأتي مناقع المياه لطلبها، ويقال له: نيق وتهدر، ولم يبين الشعبي هل تذكى الضفادع أم لا.

                                                                                                                                                                                  واختلف مذهب مالك في ذلك فقال ابن القاسم في (المدونة) عن مالك: أكل الضفدع والسرطان والسلحفاة جائز من غير ذكاة، وروي عن ابن القاسم ما كان مأواه الماء يؤكل من غير ذكاة وإن كان يرعى في البر، وما كان مأواه ومستقره البر لا يؤكل إلا بذكاة، وعن محمد بن إبراهيم لا يؤكلان إلا بذكاة، قال ابن التين: وهو قول أبي حنيفة والشافعي.

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن قول الشعبي يرده ما رواه أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي في (كتاب الأطعمة) بسند صحيح أن ابن عمر قال: سئل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن ضفدع يجعله في دواء فنهى صلى الله عليه وسلم عن قتلهقال أبو سعيد: فيكره أكله؛ إذ نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتله؛ لأنه لا يمكن أكله إلا مقتولا، وإن أكل غير مقتول فهو ميتة، وزعم ابن حزم أن أكله لا يحل أصلا، وروى أبو داود في الطب وفي الأدب، والنسائي في الصيد عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي : أن طبيبا سأل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن الضفدع يجعلها في دواء فنهى عن قتلها ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في (مسانيدهم) والحاكم في (المستدرك) في الطب وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال البيهقي : وأقوى ما ورد في الضفدع هذا الحديث، وقال الحافظ المنذري: فيه دليل على تحريم أكل الضفدع لأن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - نهى عن قتله والنهي عن قتل الحيوان إما لحرمته كالآدمي وإما لتحريم أكله كالصرد والهدهد، والضفدع ليس بمحترم فكان النهي منصرفا إلى الوجه الآخر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية