الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وإذا صار غير المكلف محرما غرم وليه دونه زيادة نفقة احتاج إليها بسبب النسك في السفر وغيره على نفقة الحضر إذ هو الموقع له في ذلك كما يغرم ما يجب بسببه كدم قران أو تمتع أو فوات ، وكفدية شيء من محظوراته كفدية جماعة وحلقه وقلمه ولبسه [ ص: 239 ] وتطيبه سواء أفعله بنفسه أم فعله به الولي ولو لحاجة الصبي لما مر مع استغنائه عنه ، بخلاف ما لو قيل له نكاحا ; لأن المنكوحة قد تفوت ، والنسك يمكن تأخيره إلى البلوغ ، وما تقرر من لزوم جميع ذلك للولي إذا كان مميزا هو المعتمد كما صرحا به كغيرهما خلافا لما في الإسعاد تبعا للإسنوي ، وما في المجموع من أن فدية الحلق والقلم على المميز لعله فرعه على مرجوح وهو صحة إحرامه بغير إذن وليه ليوافق كلامهم ، وقول القائل تبعا للزركشي بأنها وجبت على الصبي ثم تحملها عنه الولي مردود بأن الأصح في الروضة أن الصبي لا يكون طريقا في الضمان بل في المجموع هنا أنها في مال الولي ، ويمكن حمل ما في الإسعاد على التفريع المار ، ولا ينافي ما قررناه قولهم يضمن الصبي المميز الصيد ; لأن محله في غير محرم بأن أتلفه في الحرم من غير تقصير من الولي .

                                                                                                                            والحاصل أنه متى فعل محظورا وهو غير مميز فلا فدية على أحد أو مميز بأن تطيب أو لبس ناسيا فكذلك ، ومثله الجاهل المعذور كما لا يخفى ، وإن تعمد أو حلق أو قلم أو قتل صيدا ولو سهوا فالفدية في مال الولي ، وفارق الوجوب هنا في مال الولي أجرة تعليمه ما ليس بواجب حيث وجبت في مال الصبي بأن مصلحة التعليم كالضرورة وإذا لم يفعلها الولي في الصغير احتاج إلى استدراكها بعد بلوغه بخلاف الحج ، ولو فعل به أجنبي ولو لحاجة لزمته الفدية كالولي ، ويفسد حج الصبي بجماعه الذي يفسد به حج الكبير ( وإنما تصح مباشرته من المسلم المميز ) ولو صغيرا أو رقيقا كبقية العبادات البدنية ( وإنما يقع عن حجة الإسلام ) وعمرته بالمباشرة أو النيابة ( إذا باشره ) المسلم ( المكلف ) أي البالغ العاقل ( الحر ) وإن لم يكلف بالحج إذ هو مكلف في الجملة كما أشار إليه بقوله ( فيجزي ) ( حج الفقير ) وكل عاجز حيث اجتمع فيه الحرية والتكليف كما لو تكلف المريض حضور الجمعة أو الغني خطر الطريق وحج .

                                                                                                                            وعلم مما تقرر أن تعبيره بالمباشرة جرى على الغالب إذ النيابة عن غيره لموت أو عضب كذلك ، ولو تكلف الفقير الحج وأفسده ثم قضاه كفاه عن حجة الإسلام ، ولو تكلف وأحرم بنفل وقع عن فرضه أيضا فلو أفسده ثم قضاه كان الحكم كذلك ( دون حج الصبي والعبد ) إذا كملا بعده إجماعا لخبر { أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى } رواه البيهقي بإسناد جيد كما في المجموع .

                                                                                                                            والمعنى فيه أن الحج وظيفة العمر لا تكرر فيه فاعتبر وقوعه في حالة الكمال ، فإن كملا قبل خروج وقت الوقوف بالبلوغ والعتق وهما في الموقف وأدركا زمنا يعتد به في الوقوف أو بعده ثم عادا له قبل خروج وقته أجزأهما لخبر { الحج عرفة } ; لأنه أدرك معظم الحج فصار [ ص: 240 ] كما لو أدرك الركوع ، بخلاف ما إذا لم يدرك الوقوف ويعيد من ذكر السعي إن كان قد سعى بعد القدوم لوقوعه في حال النقصان ويخالف الإحرام فإنه مستدام بعد الكمال .

                                                                                                                            ويؤخذ من ذلك إجزاؤه عن فرضه أيضا إذا تقدم الطواف أو الحلق وأعاده بعد إعادة الوقوف ، وظاهر أنه تجب إعادته لتبين وقوعه في غير محله ، ولو كمل من ذكر في أثناء الطواف فهو كما لو كمل قبله كما في المجموع : أي ويعيد ما مضى قبل كماله ، بل لو كمل بعده ثم أعاده كفى فيما يظهر كما لو أعاد الوقوف بعد الكمال كما يؤخذ من قول الروض ، والطواف في العمرة كالوقوف في الحج ا هـ .

                                                                                                                            ووقوع الكمال في أثناء العمرة على التفصيل المار ، والطواف فيها كالوقوف في الحج ، ولا دم عليه بإتيانه بالإحرام في حال النقص وإن لم يعد إلى الميقات كاملا ; لأنه أتى بما في وسعه ولا إساءة ، وفارق الكافر الآتي إذا لم يعد إلى الميقات بأنه كان قادرا على إزالة نقصه حين مر به ، وحيث أجزأه ما أتى به عن فرض الإسلام وقع إحرامه أولا تطوعا ، وانقلب عقب الكمال فرضا على الأصح في المجموع .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 239 ] قوله : بخلاف ما لو قيل له نكاحا ) أي فإن مؤن النكاح في مال الصبي دون الولي ( قوله ولو لحاجة ) كأن رآه بردانا مثلا فألبسه ( قوله لزمته ) أي الأجنبي ( قوله : الذي يفسد به حج الكبير ) أي بأن كان عامدا عالما مختارا ، وقياس ما تقدم من وجوب الفدية من مال الولي إذا تعمد الحلق أو القلم إلخ وجوب القضاء هنا أيضا من مال الولي ( قوله : الحر ) أي ولو بالتبين وإن كان حال الفعل قنا ظاهرا ا هـ حج ومثله ما لو كان صبيا ظاهرا وتبين بلوغه كما شمله عموم قوله ولو بالتبين ( قوله ولو تكلف وأحرم بنفل ) انظر ما صورته ، ويمكن تصويره بأن يقصد حجا

                                                                                                                            [ ص: 240 ] غير القضاء فيكون نفلا من حيث الابتداء وواجبا من حيث حصول إحياء الكعبة به فيلغو ذلك القصد ويقع عن القضاء ( قوله كان الحكم كذلك ) أي وقع عن فرضه ( قوله : إذا لم يدرك ) أي كل من الصبي والعبد ( قوله ويؤخذ من ذلك إجزاؤه ) أي الحج ( قوله : إذا تقدم الطواف أو الحلق ) مفهومه أنهما لو تقدما وأعادهما بعد البلوغ لا يجزئ عن حجة الإسلام ، ويوجه بأنه وقع بعد التحلل الأول فكان حجه ثم في حالة نقصانه ، لكن في حج ما نصه ويؤخذ من ذلك أنه يجزيه عوده ولو بعد التحللين وإن جامع بعدهما وهو محتمل فيعيد ما فعله بعد وقوفه ليقع في حال الكمال ، وعليه فيظهر أنه لا يعيد إحرامه إلى آخر ما ذكر فليراجع ، وهو صريح في أنه وإن جمع بين الحلق والطواف تجزئ إعادتهما ويعتد به عن حجة الإسلام .

                                                                                                                            وقوله الطواف : أي طواف الإفاضة ( قوله : وظاهر أنه تجب إعادته ) أي فلو لم يعد استقرت حجة الإسلام في ذمته لتفويته لها مع إمكان الفعل على ما استقر به سم على حج ( قوله فهو كما لو كمل قبله ) أي فيكفيه ولا يحتاج إلى إعادته ولا ينافيه قوله بعد : أي ويعيد ما مضى قبل كماله فإنه لا يصلح أن يكون شرحا لكلام المجموع ، ومن ثم قال حج في شرح الإرشاد : إن المتجه الاكتفاء بما أدركه ولا يحتاج إلى إعادته ، فلعل ما ذكره من قوله أي ويعيد إلخ صرف لكلام المجموع عن ظاهره ، وأن المعتمد عنده أن ما فعله قبل البلوغ لا يعتد به حيث لم يعده بعد البلوغ ( قوله : على التفصيل المار ) أي في قوله ولو كمل من ذكر إلخ



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 238 ] قوله : كما يغرم ما يجب بسببه إلخ ) أي وهو مميز كما سيأتي في الحاصل [ ص: 239 ] قوله : أو النيابة ) عطف هذا على قول المصنف بالمباشرة صريح في أن الشرطين الآتيين شرطان في المحجوج عنه ويصرح به أيضا قوله الآتي ، وإن لم يكلف بالحج إذ هو مكلف في الجملة وحينئذ فكان ينبغي أن يزيد عقب قول المصنف إذا باشره قوله أو أناب وهذا بخلاف ما فهمه الشهاب حج من جعل الشرطين في كلام المصنف شرطين في المباشر عن نفسه أو عن غيره كما يعلم بمراجعة كلامه في تحفته ( قوله إذ النيابة عن غيره لموت أو عضب كذلك ) هذا لا يصح ترتيبه على أن تعبير المصنف بالمباشرة جرى على الغالب ، ولا ما قدمه هو في حل المتن كما تقدم التنبيه عليه ، فكان الصواب أن يقول : إذ من وقعت الاستنابة عنه لموت أو عضب كذلك فتأمل ( قوله : أو بعده ثم عاد إليه ) كان الأصوب [ ص: 240 ] أن يقول أو نفرا ، ثم عاد لأن هذا قسيم قوله وهما في الموقف لا قسيم قوله قبل الخروج وقت الوقوف لعدم صحته ( قوله : إذا تقدم الطواف أو الحلق ) أي على الكمال ، وكذا لو تقدما معا كما في التحفة ( قوله : ولو كمل من ذكر في أثناء الطواف ) يعني في العمرة كما يعلم مما يأتي ( قوله : فهو كما لو كمل قبله ) أي فتجزئه عمرته عن عمرة الإسلام ولا تجب عليه الإعادة ( قوله : ويعيد ما مضى ) أي من الطواف كما هو ظاهر ( قوله : ووقوع الكمال في أثناء العمرة إلخ ) هذا فيه نوع تكرار مع ما قبله إلا أنه أعم منه




                                                                                                                            الخدمات العلمية