الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويحرم ) على من ملك جارية وولدها ولو من مستولدة حدث قبل استيلادها كما شمله كلامهم ( التفريق بين الأم ) الرقيقة وإن رضيت أو كانت كافرة أو مجنونة لها شعور تتضرر معه بالتفريق أو آبقة فما يظهر ( والولد ) الرقيق الصغير المملوكين لواحد بنحو بيع ولو من نفسه لطفله مثلا وقبله له كما شمله كلامه ; لأنا لا نأمن أن يبيعها عن ولده فيحصل التفريق أو هبة أو قرض أو قسمة بالإجماع لخبر { من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } وخبر { ملعون من فرق بين والدة وولدها } فإن اختلف المالك أو كان أحدهما حرا جاز كما يجوز بعتق ووصية إذ المعتق محسن [ ص: 474 ] والوصية لا تقتضي التفريق بوضعها فلعل الموت يكون بعد زمان التحريم ، ويؤخذ منه أنه لو مات الموصي قبل التمييز تبين بطلانها ولا بعد فيه ، ويجوز بيع جزء منهما لواحد إن اتحد لانتفاء التفريق في بعض الأزمنة ، بخلاف ما لو اختلف كثلث وربع ، والأوجه صحة بيعه لمن يعتق عليه دون بيعه بشرط عتقه كما اقتضاه إطلاقهم لعدم تحققه ويؤيده ما مر من عدم صحة بيع المسلم للكافر بشرط عتقه ، ويمتنع بنحو إقالة ورد بعيب كما نقلاه وأقراه وإن خالف في ذلك جمع متأخرون .

                                                                                                                            والمتجه كما قاله الأذرعي منع التفريق برجوع المقرض ومالك اللقطة دون الأصل الواهب ; لأن الحق في القرض واللقطة ثابت في الذمة ، وإذا تعذر الرجوع في العين رجع في غيرها ، بخلافه في الهبة فإنا لو منعناه فيها الرجوع لم يرجع الواهب بشيء ، وكالأم عند فقدها الأب والجدة لأم أو أب وإن عليا ، أما الجد للأم فالأوجه فيه كما قاله المتولي أنه كالجد للأب لعدهم له من الأصول في النفقة والإعفاف والعتق وغيرها وإن رجح جمع أنه كبقية المحارم ، ولو اجتمع أب وأم حرم بينه وبينها وحل بينه وبين الأب أو أب وجدة ولو من الأم فهما سواء [ ص: 475 ] فيباع مع أيهما كان ويمتنع التفريق بينه وبينهما ، وقد يجوز التفريق بسبب ضرورة كما لو ملك كافر صغيرا وأبويه فأسلم الأب فإنه يتبعه ويباعان دونها ، بل لو مات الأب بيع الصغير وحده كما قاله في الشق الأول في الاستقصاء ، والثاني لبعض المتأخرين وما بحثه الأذرعي من أنه لو سبى مسلم طفلا فتبعه ثم ملك أمه الكافرة جاز له بيع أحدهما فقط ممنوع إذ لا ضرورة هنا للبيع بخلافه في الأولى ، والأصحاب لم يفرقوا في الأم بين المسلمة والكافرة كما مر ، والتفرقة وجه للدارمي وتستمر حرمة التفريق ( حتى يميز ) الولد بأن يصير بحيث يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده ، والأوجه عدم تقديره بسبع سنين لاستغنائه حينئذ عن التعهد .

                                                                                                                            ويفرق بينه وبين الأمر بالصلاة حيث لم يعتبر فيه التمييز قبل بأن ذلك فيه نوع تكليف وعقوبة فاحتيط له ( وفي قول حتى يبلغ ) لخبر فيه ولنقص تمييزه قبل بلوغه ولهذا حل التقاطه ، ويرد بمنع تأثير ذلك النقص وبأن الخبر ضعيف وحل التقاطه ليس لذلك كما يعلم من بابه ، ولا يرد على المصنف منع التفريق في المجنون وإن بلغ ; لأنه مفهوم من قوله حتى يميز ولا يعارض ما بعده وإن ادعاه بعضهم إذ لا مانع من ذكر شيئين وحكاية قول في أحدهما ، ويكره التفريق بعد التمييز وبعد البلوغ أيضا لما فيه من التشويش والعقد صحيح ، وأفتى الغزالي بامتناع التفريق بالمسافرة أي مع الرق وطرده ذلك في الزوجة الحرة ، بخلاف الأمة ليس بظاهر ، وأفهم فرضه الكلام فيما يتوقع تمييزه عدم الحرمة بين البهائم وهو [ ص: 476 ] كذلك بالذبح لهما أو لأحدهما والمذبوح الولد أو الأم مع استغنائه عنها ويكره حينئذ وإلا حرم ، ولا يصح التصرف في حالة الحرمة بنحو البيع ، ولا يصح القول بأن بيعه لمن يغلب على الظن أنه يذبحه كذبحه ; لأنه متى باع الولد قبل استغنائه وحده أو الأم كذلك تعين البطلان فقد لا يقع الذبح حالا أو أصلا فيوجد المحذور ، وشرط الذبح عليه غير صحيح فهو أولى بالبطلان لما مر في عدم صحة بيع الولد دون أمه أو بالعكس قبل التمييز بشرط عتقه فليتأمل .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : حدث قبل استيلادها ) ظاهره وإن ركبت الديون السيد قال سم : ويحتمل خلافه فيباع الفرع لحق الغرماء ويكون ذلك عذرا في التفريق ا هـ .

                                                                                                                            والأقرب الحرمة . ونقل عن الشهاب الرملي بالدرس في حواشي شرح الروض ما يصرح بما قاله ( قوله : التفريق ) ويكون كبيرة ا هـ حج في الزواجر ( قوله : أو آبقة ) أي ما لم يحصل اليأس من عودها ا هـ حج ( قوله : أو قسمة ) أي ولو إفرازا بسائر أنواعها ( قوله : وبين أحبته يوم القيامة ) استشكل بأنه إن كان في الجنة فهو تعذيب والجنة لا تعذيب فيها ، وإن كان في الموقف فكل مشغول بنفسه فلا يضره ما ذكر من التفريق . وأجيب باختيار أنه في الموقف وأن الناس ليسوا مشغولين في جميع أزمنة الموقف بل فيها أحوال يجتمع بعضهم ببعض فالتفريق فيها تعذيب ( قوله : أو كان أحدهما حرا جاز ) قد يقال لا معنى له إذ التفريق إنما يتعلق بالأمة وفرعها حيث كانا في تصرف شخص واحد ، وعند اختلاف المالكين كل منهما يتصرف فيما يختص به ، فما معنى حرمة التفريق اللهم إلا أن يقال قد يكون بين المالكين اختلاط واتحاد كأخوين في محلة واحدة ، فالمالك ، وإن اختلف لا يلزم من اختلافه بعد الأمة عن فرعها ولا عكسه ، فربما يتوهم أنه إذا أراد أحدهما بيع ما يملكه يحرم عليه ذلك لما يترتب على البيع [ ص: 474 ] من التفريق فدفعه ببيان الحكم فيه .

                                                                                                                            ( قوله : بوضعها ) أي الوصية لاحتمال أن الموت إلخ ( قوله : تبين بطلانها ) أي ولو قبل الموصى له الوصية ، وقضيته البطلان وإن أراد الموصى له تأخير القبول إلى تمييز الولد ، وفي بعض الهوامش خلافه والأقرب القضية ( قوله إن اتحد ) أي الجزء ( قوله : والأوجه صحة بيعه ) أي أحدهما ( قوله : لمن يعتق ) أي يحكم بعتقه عليه فيشمل ما لو باعه لمن أقر بحريته أو شهد بها وردت شهادته ( قوله ويمتنع ) أي التفريق ( قوله : دون الأصل ) أي فله الرجوع في الأم ، وصورة المسألة أنه وهبه الأم حائلا ثم حبلت في يده وأتت بولد فالواهب لا تعلق له بالولد ، وأما لو وهبهما له معا فلا يجوز له الرجوع في أحدهما لعدم تأتي العلة فيه ، ويدل على التصوير بما ذكر قول سم على منهج نقلا عن مر : وحيث لم يحصل له حقه إلا بالتفريق كرجوع الواهب جاز ; لأنه لو منع من الرجوع لم يحصل له شيء ا هـ . وحيث حمل على ما ذكر لا يرد قول سم على حج ما حاصله أنه لا ضرورة للرجوع في أحدهما دون الآخر لتمكنه من الرجوع فيهما ; لأن ذاك إنما يتم إذا وهبهما معا ثم أراد الرجوع في أحدهما ، وأما على ما ذكر من التصوير فليس المرجوع فيه إلا الأم ( قوله : وكالأم عند فقدها الأب ) قال في شرح الروض : وإن علا ، وقوله والجدة قال في شرح الروض : وإن علت ، ولهذا قالالشارح وإن عليا ولو وجد أب وجد فهل يجوز التفريق بينه وبين أحدهما لا بينه وبينهما ، والعبرة بالأب فيمتنع التفريق بينه وبين الأب ولو مع الجد ا هـ سم على حج . وقول سم : وبين أحدهما هذا هو الظاهر لاندفاع ضرره ببقائه مع كل منهما .

                                                                                                                            ( قوله : أما الجد ) محترز ما تضمنه قوله وإن عليا : أي الأب والجدة من أن المعتبر الجدة للأب ( قوله : وحل بينه وبين الأب ) [ ص: 475 ] أي لقوة شفقتها ( قوله : ويمتنع التفريق بينه وبينهما ) قال سم على بهجة : فرع : لو كان له أم وجدة مثلا فباعه مع أمه فماتت في المجلس مثلا فهل ينفسخ المبيع نظرا ; لأنه حينئذ كأنه بيع والأم به بدون جدته ؟ فيه نظر ، ويظهر عدم الانفساخ ويغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء فليتأمل . أقول : وقضية قوله الواقع في المجلس كالواقع في صلب العقد الانفساخ ، وقد يؤيد ما ذكره الشارح من أنه لو أبرأ من الثمن في مجلس العقد بطل الشراء ; لأنه يصير بيعا بلا ثمن ( قوله في الشق الأول ) هو قوله ويباعان إلخ وقوله والثاني هو قوله بل لو مات الأب إلخ ( قوله ثم ملك أمه الكافرة ) فلا يقال حكم هذه علم من قوله أولا وكانت كافرة إلخ ( قوله : بخلافه في الأولى ) هي قوله كما لو ملك كافر صغيرا ( قوله والأصحاب ) من تتمة الرد على الأذرعي ( قوله : لاستغنائه حينئذ ) أي حين إذ ميز ، وإن لم يبلغ السبع .

                                                                                                                            ( قوله : قبل ) أي قبل السبع ( قوله : ليس لذلك ) أي نقص تمييزه بل لعدم صحة تصرفه فاحتاج لمن يقوم بأمره ( قوله : يعارضه ما بعده ) أي من قوله حتى يبلغ ( قوله : والعقد صحيح ) أي فيما لو ميز أو بلغ ( قوله : وأفتى الغزالي ) معتمد ( قوله بالمسافرة ) أي ولو لغير النقلة ( قوله : أي مع الرق ) والمراد سفر يحصل معه تضرر وإلا كنحو فرسخ لحاجة فينبغي أن لا يمتنع ، ثم ما ذكر من حرمة التفريق بالسفر مع الرق على ما تقرر مسلم ، وأما قوله وبين زوجة حرة إلخ بالسفر أيضا فممنوع ا هـ سم على حج ( قوله : وطرده ذلك في الزوجة ) وكذا يحرم أن ينزع ولده من أمته ويدفعه لمرضعة أخرى ا هـ سم على منهج وينبغي أن محل ذلك إذا ترتب عليه ضرر لهما أو لأحدهما ( قوله : بخلاف الأمة ) [ ص: 476 ] أي فطرده فيها ظاهر ( قوله : وشرط الذبح ) وهذا محله كما قال بعضهم ما لم يعترف المشتري أن البائع نذر ذبحه وإلا فيصح ويكون ذلك افتداء ويجب على المشتري ذبحه فإن امتنع ذبحه القاضي وفرقه الذابح على الفقراء .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 472 - 473 ] قوله : الرقيق الصغير ) أي أو المجنون كما يأتي بما فيه وكان ينبغي إسقاطه ( قوله المملوكين لواحد ) هذا أشمل من قوله السابق على من ملك جارية وولدها لشموله ما إذا كانا مملوكين لمحجوره فكان ينبغي الاقتصار على هذا ، ثم إن كلا من العبارتين مخرج لما إذا كان لا يملك إلا بعض كل منهما فليراجع الحكم فيه ( قوله : أو قسمة ) ومعلوم أنها لا تكون هنا إلا بيعا ، وبه يعلم ما في حاشية الشيخ ( قوله : ولخبر { من فرق بين والدة وولدها } إلخ ) أي فهو مستند الإجماع ( قوله : لأنا لا نأمن أن يبيعها ) [ ص: 474 ] أي إن كانت هي المبيعة : أي ولا نأمن أن يبيعه إن كان هو المبيع ( قوله : لانتفاء التفريق في بعض الأزمنة ) أي بالمهايأة كما هو ظاهر ، وقضيته أنه عند اتحاد الجزء يجب في المهايأة أن الزمن الذي يكون لأحد الشريكين يجب أن يكون عنده فيه الأم والولد ويمتنع أن تكون الأم عند أحدهما في زمن والولد عند الآخر فيه . ولك أن تتوقف فيه مع انتفاء الحرمة في التفريق بغير مزيل الملك ، وهل يحرم على المشتري حيث صح البيع في البعض أن يبيع بعض الأم دون بعض الولد أو عكسه أو لا ؟ وقضية العبارتين السابقتين له عدم الحرمة كما نبهنا عليه فليراجع ( قوله : وإن عليا ) أي الأب والجدة بقسميهما بقرينة ما بعده [ ص: 475 ] قوله : حيث لم يعتبر فيه التمييز ) عبارة التحفة : ويفرق بين هذا والأمر بالصلاة بأنه لا يعتبر فيه التمييز قبل السبع بأن ذلك إلخ ( قوله : إذ لا مانع من ذكر شيئين ) وهما هنا الصغير والمجنون : يعني حكمهما ، فكأنه قال : حتى يميز كل من الصبي والمجنون ، وفي قول : في الصبي حتى يبلغ ( قوله : وطرده ذلك في الزوجة الحرة بخلاف الأمة ليس بظاهر ) يحتمل أن عدم الظهور راجع إلى تفرقة الغزالي بين الزوجة الحرة والأمة أي والظاهر أنهما سواء في التفريق [ ص: 476 ] المذكور ، وهذا هو الذي جزم به شيخنا في الحاشية ، ويحتمل أنه راجع لأصل الطرد ، ثم اعلم أن هذا الذي نقله عن الغزالي من التفرقة بين الحرة والأمة يخالفه ما في شرح الروض عنه . وعبارته : وألحق الغزالي في فتاويه التفريق بالسفر بالتفريق بالبيع ونحوه وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها وإن كانت حرة انتهى . فصريح قوله وإن كانت حرة أن الحرة والأمة عنده سواء ، لكن عبارة كل من الشهاب حج كالأذرعي توافق ما نقله الشارح ، ويمكن ترجيع عبارة الشارح إلى عبارة شرح الروض بأن يقال معناها : وطرد الغزالي الحكم في الزوجة الحرة غير ظاهر بخلاف طرده في الزوجة الأمة فإنه ظاهر ، فالطرد في كليهما حينئذ منسوب للغزالي لكن هذا تأباه عبارة كل من الشهاب حج والأذرعي فليراجع كلام الغزالي وليحرر معتمد الشارح في المسألة . وفي حواشي التحفة للشهاب سم التصريح بأن طرد الغزالي حرمة التفريق بين الزوجة الحرة وولدها ممنوع ، وهو يوافق ما قدمناه من الاحتمال الثاني ، وكذا ما ذكرناه آخرا في عبارة الشارح في ترجيعها لعبارة شرح الروض ولا يوافق الاحتمال الأول الذي جزم به الشيخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية