الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وتلقي الركبان ) جمع راكب وهو للأغلب ، والمراد مطلق القادم ولو واحدا ماشيا للشراء منهم ( بأن ) يخرج لحاجة فيصادفهم فيشتري منهم ولو لم يكن قاصدا للتلقي على الأصح لخبر { لا تلقوا الركبان للبيع } رواه الشيخان أو بأن ( يتلقى طائفة ) وهي تشمل الواحد خلافا لمن غفل عنه فأورده عليه ( يحملون متاعا ) وإن ندرت الحاجة إليه ( إلى البلد ) يعني إلى المحل الذي خرج منه المتلقي أو إلى غيره ( فيشتريه ) منهم بغير طلبهم ( قبل قدومهم ) البلد مثلا ( ومعرفتهم بالسعر ) فيعصي بالشراء ويصح لخبر { لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق ، فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار } والمعنى فيه احتمال غبنهم سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر [ ص: 467 ] على الأصح ، وأفهم كلامه عدم الإثم وانتفاء الخيار بتلقيهم في البلد قبل الدخول للسوق وإن غبنهم وقد صرحوا بالثاني ، ويقاس به الأول ، ووجه تقصيرهم حينئذ ، وما اختاره جمع منهم ابن المنذر من الحرمة يمكن حمله على ما قبل تمكنهم من معرفة السعر فلا ينافي ما قبله ، ولا خيار أيضا فيما لو عرفوا سعر البلد المقصود ولو بخبره إن صدقوه فيه فاشترى منهم به أو بدونه ولو قبل قدومهم لانتفاء الغبن ، ولا فيما إذا اشترى منهم بطلبهم ولو غبنهم ، وفيما لو لم يعرفوا السعر ولكن اشترى به أو بأكثر لا خيار لانتفاء المعنى السابق ، ويؤخذ من كلامهم عدم الإثم وهو ظاهر إذ لا تغرير ( ولهم الخيار ) فورا ( إذا عرفوا الغبن ) ولو قبل قدومهم للخبر المار ، ولو لم يعرفوا الغبن حتى رخص السعر وعاد إلى ما باعوا به ، ففي ثبوت الخيار وجهان أوجههما عدمه كما في زوال عيب المبيع وإن قيل بالفرق بينهما ، وظاهر عبارته أن ثبوته لهم غير متوقف على وصولهم البلد وما اقتضاه صنيع الروضة من توقفه عليه وهو ظاهر الخبر جرى على الغالب ، ولو تلقاهم للبيع عليهم كان كالشراء منهم على أصح الوجهين خلافا للأذرعي ومن تبعه ، ولو ادعى جهله بالخيار أو كونه على الفور وهو ممن يخفى عليه صدق وعذر .

                                                                                                                            قال القاضي أبو الطيب : لو تمكن من الوقوف على الغبن واشتغل بغيره فكعلمه بالغبن فيبطل خياره بتأخير الفسخ .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والمراد مطلق القادم ) بيان لحكمة قوله وهو للأغلب ( قوله : بأن يخرج ) منه يعلم أن قوله وهو للأغلب راجع للتلقي ( قوله يحملون ) علامة الجمع فيه وفيما بعده تصرح بأن المراد من طائفة الجمع لا الواحد ، وقد يقال أعاد الضمير على بعض مدلول الطائفة ، هذا ووقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا أن بعض العربان يقدم إلى مصر ويريد شراء شيء من العلة فيمنعهم حكام مصر من الدخول والشراء خوفا من التضييق على الناس وارتفاع الأسعار فهل يجوز الخروج إليهم والبيع عليهم ، وهل يجوز لهم أيضا الشراء من المارين عليهم قبل قدومهم إلى مصر ; لأنهم لا يعرفون سعر مصر فتنتفي العلة فيهم أم لا ؟ فيه نظر . والجواب عنه أن الظاهر الجواز فيهما لانتفاء العلة فيهم . إذ الغالب على من يقدم أنه يعرف سعر البلد ، وأن العرب إذا أرادوا الشراء يأخذون بأكثر من سعره في البلد لاحتياجهم إليه . نعم إن منع الحاكم من البيع عليهم حرم لمخالفة الحاكم وليس ذلك من التلقي الذي الكلام فيه ( قوله : فيشتريه منهم ) أي ولو بصورة استفهام عنه ( قوله : قبل قدومهم ) صادق بما إذا لم يريدوا دخول البلد بل اجتازوا بها فيحرم الشراء منهم في الحال جوازهم ، وهو أحد احتمالين اعتمده مر قال : وكذا يحرم على من قصد بلدا ببضاعة فلقي في طريقه إليها ركبا قاصدين البلد التي خرج منها للبيع فيها أن يشتري منهم ا هـ سم على منهج ( قوله : ومعرفتهم بالسعر ) مثله في الحرمة شراء بعض الجالبين من بعض قبل دخولهم البلد حج وعبارته : وشمل ذلك تعبير غيره بالشراء من الجالب بل يشمل شراء بعض الجالبين من بعض ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ولو قيل بعدم الحرمة في هذه الصورة لم يكن بعيدا سيما إذا كان المشتري أو البائع محتاجا إلى ذلك ، ثم المراد بالسعر السعر الغالب في المحل المقصود للمسافرين وإن اختلف السعر في أسواق البلد المقصودة ( قوله : فيعصي بالشراء ) أفهم أنهم لو لم يجيبوه للبيع لا يعصي وهو ظاهر ( قوله : والمعنى فيه ) التعليل به يقتضي حرمة الشراء وإن [ ص: 467 ] كان بسعر البلد لكن سيأتي أن الراجح خلافه ( قوله : قبل الدخول للسوق ) أي وتمكنهم من معرفة السعر ، وقد صرحوا بالثاني وهو ما لو غبنهم والأول وهو ما لو لم يغبنهم ، وهما مستفادان من قوله وإن غبنهم فإن تقديره سواء لم يغبنهم أو غبنهم ، ويحتمل أن مراده بالثاني قول انتفاء الخيار والأول عدم الإثم ، وهو الأقرب ( قوله : ووجهه تقصيرهم ) قضيته أنه لو اشترى منهم قبل التمكن من معرفة السعر حرم وثبت الخيار ، وبذلك صرح والد الشارح في حواشي شرح الروض كما لو اشترى قبل قدومهم البلد ، لكن نقل سم في حواشي المنهج عن مر أنه قرر أنه في هذه مرات الحرمة وعدم الخيار ، وقد يوافقه ما حمل عليه كلام ابن المنذر الآتي حيث لم يذكر الخيار ا هـ .

                                                                                                                            والأقرب ثبوت الخيار لعدم تقصيرهم فأشبه ما لو اشترى منهم قبل دخولهم البلد ( قوله : عدمه ) أي عدم ثبوته ( قوله : وإن قيل ) ممن قال به شيخ الإسلام في شرح منهجه ( قوله : وهو ظاهر الخبر ) حيث ذكر فيه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ( قوله : كالشراء منهم ) أقول : لعله شرطه أن يبيعهم بأزيد من سعر البلد على قياس أنه يشترط في حرمة التلقي للشراء أن لا يشتري بسعر البلد أو أزيد فتأمل ا هـ سم على منهج . ومعلوم أن المواضع التي جرت عادة ملاقي الحجاج بالنزول فيها كالعقبة مثلا تعد بلدا للقادمين فتحرم مجاوزتها وتلقي الحجاج للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم لما اعتيد النزول فيه ، ومحل الحرمة في ذلك كما علم مما مر حيث لم يطلب القادم الشراء من أصحاب البضاعة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لخبر { لا تلقوا الركبان } ) لا وجه لذكر هذا هنا ، وإنما محله عند الخبر الذي ساقه بعد ذلك عند قول المصنف ومعرفتهم بالسعر وإلا فما هنا ليس فيه تلق ( قوله : خلافا لمن غفل عنه فأورده عليه ) قال الشهاب حج عقب هذا نظرا لما يخصصها لأنه إطلاق لها على بعض ماصدقاتها وهو قوله يحملون متاعا ا هـ : أي ففيه شبه استخدام حيث أراد بلفظ الطائفة معنى هو المعنى الشامل للواحد ، ثم أعاد الضمير عليها بالمعنى الأخص الغير الشامل للواحد فاندفع قول الشهاب سم قوله نظرا لما لا يخصصها إلخ فيه ما لا يخفى ، فإن جمع ضمير الطائفة دليل واضح على أنه أراد بها الجماعة فيكون ساكتا عن حكم الواحد والاثنين ، ولا معنى للتخصيص إلا هذا فليتأمل ا هـ [ ص: 467 ] قوله : وهو ظاهر الخبر ) لم يتقدم له خبر ظاهره ما ذكره وهو تابع في هذا للشهاب حج ، لكن ذاك قدم عند قول المصنف ومعرفتهم بالسعر قوله للنهي الصحيح عن تلقيهم البيع مع إثبات الخيار لهم إذا أتوا السوق ا هـ . ومراده بذلك خبر الشيخين { لا تلقوا الركبان للبيع } زاد مسلم { فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار }




                                                                                                                            الخدمات العلمية