الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا قيل: إن المجموع واجب بنفسه، لكونه واجبا بما هو واجب بنفسه، أو قيل: هو واجب بنفسه، وأريد بذلك أن فيه ما هو واجب بنفسه، وسائره مستغن بذلك الواجب بنفسه، فالمجموع واجب ببعضه، والواجب ببعضه يدخل بهذا الاعتبار في الواجب بنفسه - تبين مغلطة المعترض.

وقيل له: قولك: المجموع المركب من الواجب والممكن ممكن. أتعني به أنه مفتقر إلى أمر مباين، أم تعني به أنه مفتقر إلى بعضه.

أما الأول فباطل. وأما الثاني فحق، ولكن إذا قيل: إن مجموع الممكنات التي كل منها مفتقر إلى مباين للمجموع هو أيضا ممكن [ ص: 237 ] مفتقر إلى مباين لهذا المجموع، لم يعارض هذا بمجموع الموجودات، فإن مجموع الموجودات لا يصح أن يكون ممكنا، بمعنى أنه مفتقر إلى مباين له، إذ ليس في أجزائه ما هو مفتقر إلى مباين للمجموع، فإذا كان هو متوقفا على آحاده، وليس في آحاده ما هو متوقف على أمر مباين له، لم يجب أن يكون هو متوقفا على أمر مباين له.

وأيضا، فمن المعلوم بالضرورة أن مجموع الموجودات لا يتوقف على أمر مباين له، إذ المباين لمجموع الموجودات ليس بموجود، ومجموع الموجودات لا يكون معلولا لأمر غير موجود، بخلاف مجموع الممكنات، فإنه يكون معلولا لأمر غير ممكن، فكيف يقاس أحدهما بالآخر؟ أم كيف يعارض هذا بهذا؟ ويقال: إذا كان مجموع الموجودات لا يفتقر إلى أمر خارج عنها ليس بموجود، فكذلك يجوز أن يكون مجموع الممكنات لا يفتقر إلى أمر خارج عنها ليس بممكن؟

وهل هذا إلا بمنزلة من قال: إذا كان مجموع الموجودات لا تفتقر في وجودها إلى ما ليس بموجود، فمجموع المعدومات لا تفتقر في وجودها إلى ما ليس بمعدوم، وهل هذا إلا مجرد مقايسة لفظية مع فرط التباين في المعنى؟

وهل يقول عاقل: إن الموجود الواجب بنفسه والموجود الذي [ ص: 238 ] وجب بغيره إذا لم يحتج إلى معدوم، فالمعدوم الذي لم يجب بنفسه ولا بغيره يكون موجودا بأمر معدوم، والممكن ليس له من نفسه وجود، بل لا وجود له إلا من غيره، سواء قيل: إن عدمه لا يفتقر إلى علة، أو قيل: إن عدمه لعدم مقتضيه، فمجموع الممكنات التي ليس فيها ما وجوده بنفسه لا تكون إلا معدومة، -وكل منها لا يكون موجودا إلا إذا كان وجوده بغيره، سواء سمي هو معلولا لغيره أو مفعولا لغيره- كيف تكون موجودة بغيرها؟

ونكتة هذا الجواب أن لفظ الممكن يراد به الممكن بالإمكان الذي توصف به الممكنات المفتقرة إلى مقتض مباين، فيلزم أن لا يكون لها ولا لشيء منها وجود بوجه من الوجوه إلا من المباين. وأما الإمكان الذي وصف به مجموع الموجودات، فمعناه أن ذلك المجموع لم يجب إلا بوجوب ما هو داخل فيه، فبعض ذلك المجموع واجب بنفسه، فلا يكون ذلك المجموع مفتقرا إلى مباين له.

التالي السابق


الخدمات العلمية