الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما وجوده فلا بد له من المؤثر التام، وإذا حصل المؤثر التام وجب وجوده، وإلا امتنع وجوده.

ولهذا تنازع الناس في الممكن: هل من شرطه أن يكون معدوما؟ فالذي عليه قدماء الفلاسفة كأرسطو وأتباعه من المتقدمين والمتأخرين -كابن رشد وغيره، حتى الفارابي معلمهم الثاني، فإن أرسطو معلمهم الأول. وحتى ابن سينا وأتباعه- وافقوا هؤلاء أيضا، لكن تناقضوا، وعليه جمهور نظار أهل الملل من المسلمين وغيرهم: أن من شرطه أن يكون معدوما، وأنه لا يعقل الإمكان فيما لم يكن معدوما.

وذهب ابن سينا وأتباعه إلى أن القديم الموجود بغيره يوصف بالإمكان وإن كان قديما أزليا لم يزل واجبا بغيره، لكنه قد صرح هو وأصحابه في غير موضع بنقيض ذلك كما قاله الجمهور، وقد ذكرت بعض ألفاظه في كتابه المسمى بالشفاء في غير هذا الموضع، وأصحابه الفلاسفة المتبعين لأرسطو وأصحابه مع الجمهور أنكروا ذلك عليه، وقالوا إنه خالف به سلفهم، كما خالف به جمهور النظار، وخالف به ما ذكره هو مصرحا به في غير موضع. [ ص: 248 ]

وذلك لأن الممكن بنفسه هو الذي يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد، وذلك إنما يعقل فيما يكون معدوما، ويمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد، بل يستمر عدمه. فأما ما لم يزل موجودا بغيره فكيف يقال فيه إنه يمكن وجوده وعدمه؟ أو يقال فيه إنه يقبل الوجود والعدم؟

ومما يوضح ذلك أن القابل للموجود والعدم إما أن يكون هو الموجود في الخارج أو الماهية الموجودة في الخارج عند من يقول: الوجود زائد على الماهية أو ما ليس موجودا في الخارج.

فإن قيل بالأول فهو ممتنع، لأن ما كان موجودا في الخارج أزلا وأبدا: واجبا بغيره، فإنه لا يقبل العدم أصلا. فكيف يقال: إنه يقبل الوجود والعدم؟

وإن قيل أمر آخر، فذلك لا حقيقة له حتى يقبل وجودا أو عدما، لأن وجود كل شيء عين ماهيته في الخارج، ولكن الذهن قد يتصور ماهية غير الوجود الخارجي، فإذا اعتبرت الماهية في الذهن والوجود في الخارج أو [ ص: 249 ] بالعكس فأحدهما غير الآخر، وأما إذا اعتبر ما في الخارج فقط أو ما في الذهن فقط فليس هناك وجود وماهية زائدة، ومن تصور هذا تصورا تاما لم ينازع فيه، وإنما ينازع من لم يميز بين الذهني والخارجي، واشتبه عليه أحدهما بالآخر، وأيضا فلو قدر أن في الخارج ماهية ووجودا لواجب قديم أزلي، فهذه كما يقوله كثير من المتكلمين: إن لواجب الوجود ماهية غير زائدة على وجوده، وحينئذ فمثل وجود هذه الماهية لا يقبل العدم، كما أن وجود الماهية الواجبة بنفسها لا تقبل العدم.

التالي السابق


الخدمات العلمية