الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب كيفية اللعان

قال الله تعالى : فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين

واختلف أهل العلم في صفة اللعان إذا لم يكن ولد ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والثوري : ( يشهد الزوج أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ، وتشهد هي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به من الزنا ، فإن كان هناك ولد نفاه يشهد أربع شهادات بالله إنه لصادق فيما رماها به من نفي هذا الولد ) . وذكر أبو الحسن الكرخي أن الحاكم يأمر الزوج أن يقول : ( أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي ولدك هذا ) فيقول ذلك أربع مرات ، ثم يقول في الخامسة : ( لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتك به من نفي ولدك هذا ) ثم يأمرها القاضي فتقول : ( أشهد بالله إنك لمن الكاذبين فيما رميتني به من نفي ولدي هذا ) فتقول ذلك أربع مرات ، ثم تقول في الخامسة : ( وغضب الله علي إن كنت من الصادقين فيما رميتني به من نفي ولدي هذا ) .

وروى حيان بن بشر عن أبي [ ص: 139 ] يوسف قال : ( إذا كان اللعان بولد فرق بينهما فقال قد ألزمته أمه وأخرجته من نسب الأب ) . قال أبو الحسن : ولم أجد ذكر نفي الحاكم الولد بالقول فيما قرأته إلا في رواية حيان بن بشر ، قال أبو الحسن : وهو الوجه عندي .

وروى الحسن بن زياد في سياق روايته عن أبي حنيفة قال : ( لا يضره أن يلاعن بينهما وهما قائمان أو جالسان ، فيقول الرجل : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا ، يقبل بوجهه عليها فيواجهها في ذلك كله وتواجهه أيضا هي ) . وروي عن زفر مثل ذلك في المواجهة .

وقال مالك فيما ذكره ابن القاسم عنه : ( أنه يحلف أربع شهادات بالله يقول : أشهد بالله أني رأيتها تزني ، والخامسة : لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ؛ وتقول هي : أشهد بالله ما رآني أزني ، فتقول ذلك أربع مرات والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) . وقال الليث : ( يشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، وتشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) ، وقال الشافعي : ( يقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان ، ويشير إليها إن كانت حاضرة ، يقول ذلك أربع مرات ، ثم يقعده الإمام يذكره الله ويقول إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله ، فإن رآه يريد أن يمضي أمره يضع يده على فيه ويقول : إن قولك علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبة إن كنت كاذبا ، فإن أبى تركه فيقول : لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنا ، فإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحدا كان أو اثنين ، وقال مع كل شهادة : إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان وفلان ؛ وإن نفى ولدها قال مع كل شهادة : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن هذا الولد ولد زنا ما هو مني ، فإذا قال هذا فقد فرغ من الالتعان ) .

قال أبو بكر : قوله تعالى : فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين يقتضي ظاهره جواز الاقتصار عليه من شهادات اللعان ؛ إلا أنه لما كان معلوما من دلالة الحال أن التلاعن واقع على قذفه إياها بالزنا علمنا أن المراد : فشهادة أحدهما بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ، وكذلك شهادة المرأة واقعة في نفي ما رماها به ، وكذلك اللعن والغضب والصدق والكذب راجع إلى إخبار الزوج عنها بالزنا ، فدل على أن المراد بالآية وقوع الالتعان والشهادات على ما وقع به رمي الزوج ، فاكتفى بدلالة [ ص: 140 ] الحال على المراد عن قوله فيما رميتها به من الزنا واقتصر على قوله : ( إني لمن الصادقين ) وهذا نحو قوله تعالى : والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات والمراد : والحافظات فروجهن والذاكرات الله ؛ ولكنه حذف لدلالة الحال عليه . وفي حديث عبد الله بن مسعود وابن عباس في قصة المتلاعنين عند النبي صلى الله عليه وسلم : فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، ولم يذكرا فيما رماها به من الزنا .

وأما قول مالك : ( إنه يشهد أربع شهادات بالله أنه رآها تزني ) فمخالف لظاهر لفظ الكتاب والسنة ؛ لأن في الكتاب : فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين وكذلك لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين الزوجين . وأما قول الشافعي : ( إنه يذكرها باسمها ونسبها ويشير إليها بعينها ) فلا معنى له ؛ لأن الإشارة تغني عن ذكر الاسم والنسب ، فذكر الاسم والنسب لغو في هذا الموضع ، ألا ترى أن الشهود لو شهدوا على رجل بحق وهو حاضر كانت شهادتهم أنا نشهد أن لهذا الرجل على هذا الرجل ألف درهم ولا يحتاجون إلى اسمه ونسبه ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية