الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى - : واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ؛ قال معمر عن الزهري : يعني رد الصداق ، واسألوا أهل [ ص: 332 ] الحرب مهر المرأة المسلمة إذا صارت إليهم ، وليسألوا هم أيضا مهر من صارت إلينا مسلمة منهم " ؛ وقال الزهري : " فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله ، وأما المشركون فأبوا أن يقروا ، فأنزل الله : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا فأمر المسلمون أن يردوا الصداق إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج مسلم أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته إن كان في أيديهم مما يردون ، وأن يردوا إلى المشركين " .

وروى خصيف عن مجاهد في قوله تعالى - : واسألوا ما أنفقتم " من الغنيمة أن يعوض منها " .

وروى زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال : " كانت زينب امرأة عبد الله بن مسعود ممن ذكر الله في القرآن : واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا خرجت إلى المؤمنين " وروى الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار قال : " ليس بينكم وبينهم عهد " فعاقبتم " وأصبتم غنيمة " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا قال : " عوضوا زوجها مثل الذي ذهب منه " .

وروى سعيد عن قتادة مثله ، وزاد : " يعطى من جميع الغنيمة ثم يقسمون غنيمتهم " وقال ابن إسحاق عن الزهري ، قال : " إن فات أحدكم أهله إلى الكفار ولم يأت من الكفار من تأخذون منه مثل ما أخذ منكم فعوضوهم من فيء إن أصبتموه " وجائز أن تكون هذه الرواية عن الزهري غير مخالفة لما قدمنا من أنهم يعوضون من صداق إن وجب عليهم رده إلى الكفار ، وأنه إنما يجب رده من صداق وجب للكفار إذا كان هناك صداق قد وجب رده عليهم ، وإذا لم يكن صداق رد عليهم من الغنيمة وهذه الأحكام في رد المهر وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق قد وجب رده على أهل الحرب منسوخ عند جماعة أهل العلم غير ثابت الحكم إلا شيئا روي عن عطاء . "

فإن عبد الرزاق روى عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت لو أن امرأة من أهل الشرك جاءت المسلمين فأسلمت أيعوض زوجها منها شيئا لقوله تعالى - في الممتحنة : وآتوهم ما أنفقوا ؟ قال : إنما كان ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل عهده ، قلت : فجاءت امرأة الآن من أهل عهد ؟ قال : نعم ، يعاض فهذا مذهب عطاء في ذلك " وهو خلاف الإجماع فإن قيل : ليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب نسخ هذه الأحكام ، فمن أين وجب نسخها ؟ قيل له : يجوز أن يكون منسوخا بقوله - تعالى - : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم وبقول [ ص: 333 ] النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية