الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 259 ] ذكر ظهور قبيحة أم المعتز

قد ذكرنا استتارها عند قتل ابنها ; وكان السبب في هربها وظهورها أنها كانت قد واطأت النفر من الكتاب الذين أوقع بهم صالح على الفتك بصالح ، فلما أوقع بهم ، وعذبهم ، علمت أنهم لا يكتمون عنه شيئا ، فأيقنت بالهلاك ، فعملت في الخلاص ، وأخرجت ما في الخزائن إلى خارج الجوسق من الأموال ، والجواهر ، وغيرها ، فأودعته ، واحتالت ، فحفرت سربا في حجرة لها إلى موضع يفوت التفتيش ، فلما خرجت الحادثة على المعتز بادرت فخرجت في ذلك السرب ، فلما فرغوا من المعتز طلبوها فلم يجدوها ، ورأوا السرب ، فخرجوا منه ، فلم يقفوا على خبرها ، وبحثوا عنها فلم يظفروا بها .

ثم إنها فكرت أن ابنها قتل ، وأن الذي تختفي عنده يطمع في مالها وفي نفسها ، ويتقرب بها إلى صالح ، ( فأرسلت امرأة عطارة إلى صالح ) بن وصيف ، فتوسطت الحال بينهما ، وظهرت في رمضان ، وكانت لها أموال ببغداذ ، فأحضرتها ، وهي مقدار خمسمائة ألف دينار ، وظفروا لها بخزائن تحت الأرض فيها أموال كثيرة ، ومن جملتها دار تحت الأرض ، وجدوا فيها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار ، ووجدوا في سفط قدر مكوك زمردا لم ير الناس مثله ، وفي سفط آخر مقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار ; وفي سفط مقدار كيلجة من الياقوت الأحمر الذي لم يوجد مثله ، فحمل الجميع إلى صالح ، فسبها ، وقال : عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار ، وعندها هذه الأموال كلها !

ثم سارت قبيحة إلى مكة ، فسمعت وهي تدعو بصوت عال على صالح بن وصيف ، وتقول : اللهم أخز صالحا كما هتك ستري ، وقتل ولدي ، وشتت شملي ، وأخذ مالي ، وغربني عن بلدي ، وركب الفاحشة مني ، وأقامت بمكة .

وكان المتوكل سماها قبيحة لحسنها وجمالها ، كما يسمى الأسود كافورا .

قال : وكانت أم المهتدي قد ماتت قبل استخلافه ، وكانت تحت المستعين ، فلما قتل جعلها المعتز في قصر الرصافة ، فماتت ، فلما ولي المهتدي قال : أما أنا فليس لي أم أحتاج لها غلة عشرة آلاف دينار في كل سنة لجواريها ، وخدمها ، والمتصلين بها ، وما أريد إلا [ ص: 260 ] القوت لنفسي وولدي ، وما أريد فضلا إلا لإخوتي ، فإن الضائقة قد مستهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية