الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مسير الموفق إلى الأهواز وإجلاء الزنج عنها

فلما فرغ أبو أحمد الموفق من المنصور رحل نحو الأهواز لإصلاحها وإجلاء الزنج عنها ، فأمر ابنه أبا العباس أن يتقدمه ، فأمر بإصلاح الطريق للجيوش ، استخلف على من ترك من عسكره بواسط ابنه هارون ، ولحقه زيرك فأخبره بعود أهل طهثا إليها ، وأمن الناس ، فأمر الموفق بالانحدار في الشذا والسميريات مع نصير ، وتتبع المنهزمين ، والإيقاع بهم وبمن ظفروا به من الزنج ، حتى ينتهي إلى مدينة الخبيث بنهر أبي الخصيب ، وسار .

وارتحل الموفق مستهل جمادى الآخرة من واسط حتى أتى السوس ، وأمر مسرورا بالقدوم عليه ، وهو عامله هناك ، فأتاه .

وكان الخبيث لما بلغه ما عمل الموفق بسليمان بن جامع والزنج خاف أن يأتيه وهو على حال تفرق أصحابه عنه ، وكتب إلى علي بن أبان بالقدوم عليه ، وكان بالأهواز في [ ص: 381 ] ثلاثين ألفا ، فترك جميع ما كان عنده من طعام ودواب وأغنام ، وغير ذلك ، واستخلف عليه محمد بن يحيى الكرنبائي ، فلم يقم ، واتبع عليا .

وكتب صاحب الزنج أيضا إلى بهبود بن عبد الوهاب ، وهو بالفندم والباسيان وما اتصل بهما ، يأمره بالقدوم عليه ، فترك ما كان عنده من الذخائر ، وسار نحوه ، فحوى ذلك جميعه الموفق ، وقوي به على حرب الخبيث .

ولما سار علي بن أبان عن الأهواز تخلف بها جمع من أصحابه ، زهاء ألف رجل ، فأرسلوا إلى الموفق يطلبون الأمان فأمنهم ، فقدموا عليه ، فأجرى عليهم الأرزاق ، ثم رحل عن السوس إلى جنديسابور ، وتستر ، وجبى الأموال ، ووجه إلى محمد بن عبيد الله الكردي ، وكان خائفا منه ، فأمنه وعفا عنه ، فطلب منه الأموال والعساكر ، فحضر عنده فأحسن إليه .

ثم رحل إلى عسكر مكرم ، ووافى الأهواز ، ثم رحل عنها إلى نهر المبارك من فرات البصرة ، وكتب إلى ابنه هارون ليوافيه بجميع الجيش إلى نهر المبارك ، فلقيه الجيش بالمبارك منتصف رجب .

وكان زيرك ، ونصير لما خلفهما الموفق ليتتبعا الزنج انحدرا حتى وافيا الأبلة ، فأستأمن إليهما رجل أخبرهما أن الخبيث قد أنفذ إليهما عددا كثيرا في الشذا ، والسميريات إلى دجلة ليمنع عنها من يريدها ، فإنهم يريدون عسكر نصير ، وكان عسكره بنهر المرأة ، فرجع نصير إلى عسكره من الأبلة لما بلغه ذلك ، وسار زيرك من طريق آخر ، لأنه قدر أن الزنج يأتون عسكر نصير من ذلك الوجه ، فكان كذلك ، فلقيهم في طريقهم ، فظفر بهم ، وانهزموا منه ، وكانوا قد جعلوا كمينا ، فدل زيرك عليه ، فتوغل حتى أتاه فقتل من الكمناء جماعة وأسر جماعة .

[ ص: 382 ] وكان ممن ظفر به مقدم الزنج ، وهو أبو عيسى محمد بن إبراهيم البصري وهو من أكابر قوادهم ، وأخذ منهم ما يزيد على ثلاثين سميرية ، فجزع لذلك جميع الزنج ، فأستأمن إلى نصير منهم زهاء ألفي رجل ، فكتب بذلك إلى الموفق ، فأمره بقبولهم والإقبال إليه بالنهر المبارك ، فوافاه هناك .

وأمر الموفق ابنه أبا العباس بالمسير إلى محاربة العلوي بنهر أبي الخصيب ، فسار إليه ، فحارب من بكرة إلى الظهر ، فأستأمن إليه قائدا من قواد العلوي ومعه جماعة ، فكسر ذلك الخبيث ، وعاد أبو العباس بالظفر ، وكتب الموفق إلى العلوي كتابا يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ركب من سفك الدماء ، وانتهاك المحارم ، وإخراب البلدان ، واستحلال الفروج والأموال ، وادعاء النبوة والرسالة ، ويبذل له الأمان ، فوصل الكتاب إليه ، فقرأه ، ولم يكتب جوابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية