الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر انهزام هارون الخارجي من عسكر الموصل

كان المعتضد بالله قد خلف بالموصل نصرا القشوري يجبي الأموال ، ويعين العمال على جبايتها ، فخرج عامل معلثايا إليها ومعه جماعة من أصحاب نصر ، فوقع عليهم طائفة من الخوارج ، فاقتتلوا إلى أن أدركهم الليل وفرق بينهم ، وقتل من الخوارج إنسان اسمه جعفر ، وهو من أعيان أصحاب هارون ، فعظم عليه قتله ، وأمر أصحابه بالإفساد في البلاد .

فكتب نصر القشوري إلى هارون الخارجي كتابا يتهدده بقرب الخليفة ، وأنه إن هم به أهلكه وأهلك أصحابه ، وأنه لا يغتر بمن سار إلى حربه فعاد عنه بمكر وخديعة .

فكتب إليه هارون كتابا ، منه : أما ما ذكرت ممن أراد قصدي ، ورجع عني ، فإنهم لما رأوا جدنا ، واجتهادنا كانوا بإذن الله فراشا متتابعا ، ونحن على فرسخ منهم ، وما غرك ، إلا ما أصبت به صاحبنا ، فظننت أن دمه مطلول ، أو أن وتره متروك لك ، كلا إن الله تعالى من ورائك ، وآخذ بناصيتك ، ومعين على إدراك الحق منك ، ولم تعيرنا بغيرك وتدع أن يكون مكان ذلك إبداء صحفتك ، وإظهار عداوتك ؟ وإنا إياك كما قيل :


فلا توعدنا باللقاء وأبرزوا إلينا سوادا نلقه بسواد



ولعمر الله ما ندعو إلى البراز ثقة بأنفسنا ، ولا عن ظن أن الحول والقوة لنا ، لكن [ ص: 485 ] ثقة بربنا ، واعتمادا على جميل عوائده عندنا .

وأما ما ذكرت من أمر سلطانك فإن سلطانك لا يزال منا قريب ، وبحالنا عالما ، ( فلا قدم أجلا ولا أخره ) ، ولا بسط رزقا ، ولا قبضه ، قد بعثنا على مقابلتك ، وستعلم عن قريب إن شاء الله تعالى .

فعرض نصر كتاب هارون على المعتضد ، فجد في قصده ، وولى الحسن بن علي كورة الموصل ، وأمره بقصد الخوارج ، وأمر مقدمي الولايات والعمال كافة بطاعته ، فجمعهم ، وسار إلى أعمال الموصل ، وخندق على نفسه ، وأقام إلى أن رفع الناس غلاتهم ، ثم سار الخوارج ، وعبر الزاب إليهم ، فلقيهم قريبا من المغلة ، وتصافوا للحرب ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وانكشف الخوارج عنه ليفرقوا جمعيته ، ثم يعطفوا عليه ، فأمر الحسن أصحابه بلزوم ( مواقفهم ، ففعلوا ، فرجع الخوارج ، وحملوا عليهم سبع عشرة حملة ، فانكشفت ) ميمنة الحسن ، وقتل من أصحابه ، وثبت هو ، فحمل الخوارج عليه حملة رجل واحد ، فثبت لهم وضرب على رأسه عدة ضربات فلم تؤثر فيه .

فلما رأى أصحابه ثباته تراجعوا إليه وصبروا ، ( فانهزم الخوارج أقبح هزيمة ) ، وقتل منهم خلق كثير ، وفارقوا موضع المعركة ، ودخلوا أذربيجان .

وأما هارون فإنه تحير في أمره ، وقصد البرية ، ( ونزل عند بني تغلب ، ثم عاد معلثايا ، ثم ) عاد إلى البرية ، ثم رجع عبر دجلة إلى حزة ، وعاد إلى البرية .

وأما وجوه أصحابه ، فإنهم لما رأوا إقبال دولة المعتضد وقوته ، وما لحقهم في هذه الوقعة ، راسلوا المعتضد يطلبون الأمان فأمنهم ، فأتاه كثير منهم ، يبلغون ثلاثمائة وستين رجلا ، وبقي معه بعضهم يجول بهم في البلاد ، إلى أن قتل سنة ثلاث وثمانين [ ومائتين ] على ما نذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية