الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر اختلاف الخوارج على مساور

في‌ هذه السنة خالف إنسان من الخوارج اسمه عبيدة من بني زهير العمروي على مساور .

وسبب ذلك أنه خالفه في توبة المخطئ ، فقال مساور : نقبل توبته ; وقال عبيدة : لا نقبل ، فجمع عبيدة جمعا كثيرا وسار إلى مساور ، وتقدم إليه مساور من الحديثة ، فالتقوا بنواحي جهينة ، بالقرب من الموصل ، في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين [ ومائتين ] ، واقتتلوا أشد قتال ، فترجل من عنده ، ومعه جماعة من أصحابه ، عرقبوا دوابهم ، فقتل عبيدة ، وانهزم جمعه ، فقتل أكثرهم ، واستولى مساور على كثير من العراق ، ومنع الأموال عن الخليفة ، فضاقت على الجند أرزاقهم ، فاضطرهم ذلك إلى أن سار إليه موسى بن بغا ، وبايكباك ، وغيرهما في عسكر عظيم ، فوصلوا إلى السن ، فأقاموا به ، ثم عادوا إلى سامرا ، لما نذكره من خلع المهتدي .

فلما ولي المعتمد الخلافة سير مفلحا إلى مساور في عسكر كبير ، حسن العدة ، فلما قارب الحديثة ( فارقهم مساور ، وقصد جبلين يقال لأحدهما زيني ، وللآخر عامر ، وهما بالقرب من الحديثة ، فتبعه مفلح ، فعطف عليه مساور وهو في أربعة آلاف فارس ، فاقتتل هو ومفلح .

وكان مساور قد انصرف عن حرب عبيدة ( وقد جمع كثيرا ) من أصحابه ، فلقوا مفلحا بجبل زيني ، فلم يصل مفلح منه إلى ما يريده ، ( فصعد رأس الجبل فاحتمى [ ص: 282 ] به ) ، ونزل مفلح في ( أصل الجبل ) ، وجرى بينهما وقعات كثيرة ، ثم أصبحوا يوما ، وطلبوا مساورا ، فلم يجدوه ، وكان قد نزل ليلا من غير الوجه الذي فيه مفلح ، لما أيس من الظفر لضعف أصحابه من الجراح ، ( فحيث لم ) يره مفلح سار إلى الموصل ، فسار إلى الموصل ، فسار منها إلى ديار ربيعة سنجار ، ونصيبين ، والخابور ، فنظر في أمرها ، ثم ( عاد إلى ) الموصل ، فأحسن السيرة في أهلها ، ورجع عنها في رجب متأهبا للقاء مساور .

( فلما قارب الحديثة فارقها مساور ، وكان قد عاد إليها عند غيبة مفلح ، فتبعه مفلح ، فكان مساور ) يرحل عن المنزل ، فينزله مفلح ، فلما طال الأمر على مفلح ، وتوغل في الجبال والشعاب ، والمضايق ( وراء مساور ) ، ولحق الجيش الذي معه مشقة ، ونصب ، عاد عنه ، فتبعه مساور يقفو أثره ، ويأخذ كل من ينقطع عن ساقة العسكر ، فرجع إليه طائفة منهم فقاتلوه ، ثم عادوا ولحقوا مفلحا ، ووصلوا الحديثة ، فأقام بها مفلح أياما ، وانحدر أول شهر رمضان إلى سامرا ، فاستولى حينئذ مساور على البلاد ، وجبى خراجها ، وقويت شوكته ، اشتد أمره .

التالي السابق


الخدمات العلمية