الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4513 ) فصل : فإن وصفها اثنان ، أقرع بينهما ، فمن وقعت له القرعة حلف أنها له ، وسلمت إليه . وهكذا إن أقاما بينتين ، أقرع بينهما ، فمن وقعت له القرعة حلف ، ودفعت إليه . ذكره القاضي ، وقال أبو الخطاب : تقسم بينهما ; لأنهما تساويا فيما يستحق به الدفع ، فتساويا فيها ، كما لو كانت في أيديهما . والذي قلناه أصح وأشبه بأصولنا ، فيما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ، ولأنهما تداعيا عينا في يد غيرهما ، وتساويا في البينة ، أو في عدمها ، فتكون لمن وقعت له القرعة ، كما لو ادعيا وديعة في يد إنسان ، فقال : هي لأحدكما ، لا أعرفه عينا . وفارق ما إذا كانت في أيديهما ; لأن يد كل واحد منهما على نصفه فرجح قوله فيه . وإن وصفها إنسان ، فأقام آخر البينة أنها له ، فهي لصاحب البينة ; لأنها أقوى من الوصف ، فإن كان الواصف قد أخذها ، انتزعت منه ، وردت إلى صاحب البينة ; لأننا تبينا أنها له ، فإن كانت قد هلكت ، فلصاحبها تضمين من شاء من الواصف أو الدافع إليه . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي . ويتخرج أن لا يلزم الملتقط شيء . وهذا قول ابن القاسم صاحب مالك ، وأبي عبيد ; لأنه فعل ما أمر به ، لأنه أمين غير مفرط ولا مقصر ، فلا يضمن كما لو دفعها بأمر الحاكم ، ولأن الدفع واجب عليه ، فصار الدفع بغير اختياره ، فلم يضمنها ، كما لو أخذها كرها .

                                                                                                                                            [ ص: 14 ] ولنا أنه دفع مال غيره إلى غير مستحقه اختيارا منه ، فضمنه ، كما لو دفع الوديعة إلى غير مالكها ، إذا غلب على ظنه أنه مالكها . فأما إن دفعها بحكم حاكم ، لم يملك صاحبها مطالبة الدافع ; لأنها مأخوذة منه على سبيل القهر ، فلم يضمنها ، كما لو غصبها غاصب . ومتى ضمن الواصف لم يرجع على أحد ; لأن العدوان منه والتلف عنده . فإن ضمن الدافع ، رجع على الواصف ; لأنه كان سبب تغريمه ، إلا أن يكون الملتقط قد أقر للواصف أنه صاحبها ومالكها ، فإنه لا يرجع عليه ، لأنه اعترف أنه صاحبها ومستحقها ، وأن صاحب البينة ظلمه بتضمينه ، فلا يرجع ، به على غير من ظلمه .

                                                                                                                                            وإن كانت اللقطة قد تلفت عند الملتقط ، فضمنه إياها ، رجع على الواصف بما غرمه ، وليس لمالكها تضمين الواصف ; لأن الذي قبضه إنما هو مال الملتقط ، لا مال صاحب اللقطة ، بخلاف ما إذا سلم العين . فأما إن وصفها إنسان ، فأخذها ، ثم جاء آخر فوصفها وادعاها ، لم يستحق شيئا ; لأن الأول استحقها لوصفه إياها ، وعدم المنازع فيها ، وثبتت يده عليها ، ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه ، فوجب إبقاؤها له ، كسائر ماله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية