الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ نافع وحمزة والكسائي " الميت " بالتشديد ، والباقون بالتخفيف ، وهما لغتان بمعنى واحد ، قال المبرد : أجمع البصريون على أنهما سواء وأنشدوا :


                                                                                                                                                                                                                                            إنما الميت ميت الأحياء



                                                                                                                                                                                                                                            وهو مثل قوله : هين وهين ، ولين ولين ، وقد ذهب ذاهبون إلى أن الميت من قد مات ، والميت من لم يمت .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ذكر المفسرون فيه وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : يخرج المؤمن من الكافر كإبراهيم من آزر ، والكافر من المؤمن مثل كنعان من نوح - عليه السلام - .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : يخرج الطيب من الخبيث وبالعكس .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : يخرج الحيوان من النطفة ، والطير من البيضة وبالعكس . والرابع : يخرج السنبلة من الحبة وبالعكس ، والنخلة من النواة وبالعكس ، قال القفال - رحمه الله - : والكلمة محتملة للكل ، أما الكفر والإيمان فقال تعالى : ( أومن كان ميتا فأحييناه ) [الأنعام : 122 ] يريد كان كافرا فهديناه فجعل الموت كفرا والحياة إيمانا ، وسمى إخراج النبات من الأرض إحياء ، وجعل قبل ذلك ميتة فقال : ( ويحيي الأرض بعد موتها ) [الروم : 50 ] وقال : ( فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها ) [فاطر : 9 ] وقال : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) [البقرة : 28 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( وترزق من تشاء بغير حساب ) ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه يعطي من يشاء ما يشاء لا يحاسبه على ذلك أحد ، إذ ليس فوقه ملك يحاسبه بل هو الملك ، يعطي من يشاء بغير حساب .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : ترزق من تشاء [ رزقا ]غير مقدور ولا محدود ، بل تبسطه له وتوسعه عليه كما يقال : فلان ينفق بغير حساب إذا وصف عطاؤه بالكثرة ، ونظيره قولهم في تكثير مال الإنسان : عنده مال لا يحصى .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : ترزق من تشاء بغير حساب ، يعني على سبيل التفضل من غير استحقاق لأن من أعطى على قدر الاستحقاق فقد أعطى بحساب ، وقال بعض من ذهب إلى هذا المعنى : إنك لا ترزق عبادك على مقادير أعمالهم والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية