الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ الكسائي : تقاة بالإمالة ، وقرأ نافع وحمزة : بين التفخيم والإمالة ، والباقون بالتفخيم ، وقرأ يعقوب تقية ، وإنما جازت الإمالة لتؤذن أن الألف من الياء ، وتقاة وزنها فعلة نحو تؤدة وتخمة ، ومن فخم فلأجل الحرف المستعلي وهو القاف .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال الواحدي : تقيته تقاة ، وتقى ، وتقية ، وتقوى ، فإذا قلت اتقيت كان مصدره [ ص: 12 ] الاتقاء ، وإنما قال تتقوا ثم قال تقاة ولم يقل اتقاء اسم وضع موضع المصدر ، كما يقال : جلس جلسة ، وركب ركبة ، وقال الله تعالى : ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) [ آل عمران : 37 ] وقال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                            وبعد عطائك المائة الرتاعا



                                                                                                                                                                                                                                            فأجراه مجرى الإعطاء ، قال : ويجوز أن يجعل تقاة هاهنا مثل رماة فيكون حالا مؤكدة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال الحسن : أخذ مسيلمة الكذاب رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لأحدهما : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم نعم نعم ، فقال : أفتشهد أني رسول الله ؟ قال : نعم ، وكان مسيلمة يزعم أنه رسول بني حنيفة ، ومحمد رسول قريش ، فتركه ودعا الآخر فقال أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : أفتشهد أني رسول الله ؟ فقال : إني أصم ثلاثا ، فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له ، وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن نظير هذه الآية قوله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) [النحل : 106 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية