الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن إجماع الأمة حجة ، وتقريره من وجهين . الأول : قوله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق ) [ الأعراف : 159 ] ثم قال في هذه الآية : ( كنتم خير أمة ) فوجب بحكم هذه الآية أن تكون هذه الآية أفضل من أولئك الذين يهدون بالحق من قوم موسى ، وإذا كان هؤلاء أفضل منهم وجب أن تكون هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق إذ لو جاز في هذه الآية أن تحكم بما ليس بحق لامتنع كون هذه الأمة أفضل من الأمة التي تهدي بالحق ، لأن المبطل يمتنع أن يكون خيرا من المحق ، فثبت أن هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق ، وإذا كان كذلك كان إجماعهم حجة .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني : وهو ( أن الألف واللام ) في لفظ ( المعروف ) ولفظ ( المنكر ) يفيدان الاستغراق ، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكل معروف ، وناهين عن كل منكر ومتى كانوا كذلك كان إجماعهم حقا وصدقا لا محالة فكان حجة ، والمباحث الكثيرة فيه ذكرناها في الأصول .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال الزجاج : قوله : ( كنتم خير أمة ) ظاهر الخطاب فيه مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه عام في كل الأمة ، ونظيره قوله : ( كتب عليكم الصيام ) [ البقرة : 183 ] ( كتب عليكم القصاص ) [ البقرة : 178 ] فإن كل ذلك خطاب مع الحاضرين بحسب اللفظ ، ولكنه عام في حق الكل كذا هاهنا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قال القفال رحمه الله : أصل الأمة الطائفة المجتمعة على الشيء الواحد فأمة نبينا صلى الله عليه وسلم هم الجماعة الموصوفون بالإيمان به والإقرار بنبوته ، وقد يقال لكل من جمعتهم دعوته أنهم أمته إلا أن لفظ الأمة إذا أطلقت وحدها وقع على الأول ، ألا ترى أنه إذا قيل أجمعت الأمة على كذا فهم منه الأول وقال عليه الصلاة والسلام : " أمتي لا تجتمع على ضلالة " وروي أنه عليه الصلاة والسلام يقول يوم القيامة " أمتي أمتي " فلفظ الأمة في هذه المواضع وأشباهها يفهم منه المقرون بنبوته ، فأما أهل دعوته فإنه إنما يقال لهم : إنهم أمة الدعوة ، ولا يطلق عليهم إلا لفظ الأمة بهذا الشرط .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( أخرجت للناس ) ففيه قولان . الأول : أن المعنى كنتم خير الأمم المخرجة للناس في جميع الأعصار ، فقوله : ( أخرجت للناس ) أي أظهرت للناس حتى تميزت وعرفت وفصل بينها وبين غيرها . والثاني : أن قوله : ( للناس ) من تمام قوله : ( كنتم ) والتقدير : كنتم للناس خير أمة ، ومنهم من قال : [ ص: 157 ] ( أخرجت ) صلة ، والتقدير : كنتم خير أمة للناس .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية