الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما منع المؤمنين من أن يتخذوا بطانة من الكافرين ذكر علة هذا النهي ، وهي أمور . أحدها : قوله تعالى : ( لا يألونكم خبالا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال صاحب " الكشاف " : يقال ( ألا ) في الأمر يألو إذا قصر فيه ، ثم استعمل معدى إلى مفعولين في قولهم : لا آلوك نصحا ، ولا آلوك جهدا على التضمين ، والمعنى لا أمنعك نصحا ولا أنقصك جهدا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الخبال الفساد والنقصان ، وأنشدوا :


                                                                                                                                                                                                                                            لستم بيد إلا يدا أبـ دا مخبولة العضد



                                                                                                                                                                                                                                            أي فاسدة العضد منقوضتها ، ومنه قيل : رجل مخبول ومخبل ومختبل لمن كان ناقص العقل ، وقال تعالى : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) [ التوبة : 47 ] أي فسادا وضررا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله : ( لا يألونكم خبالا ) أي لا يدعون جهدهم في مضرتكم وفسادكم ، يقال : ما ألوته نصحا ، أي ما قصرت في نصيحته ، وما ألوته شرا مثله .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : انتصب الخبال بلا يألونكم لأنه يتعدى إلى مفعولين كما ذكرنا وإن شئت نصبته على المصدر ، لأن معنى قوله : ( لا يألونكم خبالا ) لا يخبلونكم خبالا . وثانيها : قوله تعالى : ( ودوا ما عنتم ) وفيه مسائل : [ ص: 174 ] المسألة الأولى : يقال : وددت كذا ، أي أحببته و ( العنت ) شدة الضرر والمشقة ، قال تعالى : ( ولو شاء الله لأعنتكم ) [ البقرة : 220 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ما مصدرية كقوله : ( ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ) [ غافر : 75 ] أي بفرحكم ومرحكم وكقوله : ( والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ) [ الشمس : 6 ] أي بنائه إياها وطحيه إياها .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : تقدير الآية : أحبوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قال الواحدي رحمه الله : لا محل لقوله : ( ودوا ما عنتم ) لأنه استئناف بالجملة ، وقيل : إنه صفة لبطانة ، ولا يصح هذا لأن البطانة قد وصفت بقوله : ( لا يألونكم خبالا ) فلو كان هذا صفة أيضا لوجب إدخال حرف العطف بينهما .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : الفرق بين قوله : ( لا يألونكم خبالا ) وبين قوله : ( ودوا ما عنتم ) في المعنى من وجوه . الأول : لا يقصرون في إفساد دينكم ، فإن عجزوا عنه ودوا إلقاءكم في أشد أنواع الضرر . الثاني : لا يقصرون في إفساد أموركم في الدنيا ، فإذا عجزوا عنه لم يزل عن قلوبهم حب إعناتكم . والثالث : لا يقصرون في إفساد أموركم ، فإن لم يفعلوا ذلك لمانع من خارج ، فحب ذلك غير زائل عن قلوبهم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية