الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            علوم حضارة الإسلام ودورها في الحضارة الإنسانية

            الدكتور / خالد أحمد حربي

            الفصل الرابع

            إبداع الطب النفسي العربي الإسلامي

            وأثره في (الآخر)

            انتهيت في الفصل السابق إلى أن أبا بكر محمد بن زكريا الرازي هـو أعظم أطباء العرب والمسلمين، وأكبر أطباء العصور الوسطى قاطبة، بل وحجة الطب في العالم منذ زمانه، وحتى العصور الحديثة؛ وذلك بفضـل ما قدمه من إنجازات طبية وعلاجية أصيلة عبر بها عن روح الحضارة العربية الإسلامية إبان عصر ازدهارها، وعملت على تقدم علم الطب حتى وصل إلى الحضارة الغربية الحديثة، تلك التي أشادت بأعمال الرازي، واعترفت به كعلم من أعلام الحضارة الإنسانية الخالدين، وظلت تدرس كتبه قرونا طويلة.

            وإلى جانب الرازي شهدت منظومة علم الطب العربي الإسلامي أعلاما آخرين، كل أدلى بدلوه في هـذا المجال، مثل الشيخ الرئيس ابن سينا ، والزهراوي ، وابن زهر ، وابن الجزار ، وعـلي بن رضوان ، والقوصـوني ، وابن النفيس (مكتشف الدورة الدمـوية الصغرى) ، وعلي بن العباس ، وابن رشد ... فكل هـؤلاء العلماء قدموا للإنسانية من المآثر التي ما زالت تحسب لهم حتى اليوم، وكانت أعمالهم جميعا بمثابة الأسس التي أدت إلى التقدم الطبي المذهل في حضارة (الآخر) ألا وهي الحضارة الغربية الحديثة. [ ص: 121 ] هذا فيما يتعلق بالطب الجسمي، أما فيما يخص الطب النفسي فيكاد يكون للعرب والمسلمين السبق في هـذا الميدان، حيث استند العلاج النفسي خلال عصور التاريخ قبلهم إلى السحر، ورد المرض النفسي إلى قوى شريرة، واستخدام الرقي والتمائم والتعاويز.

            ففي الحضارة اليونانية كان يعتقد أن الشفاء من الأمراض النفسية يستلزم أن ينام المريض في هـيكل خاص، حيث يتم شفاؤه بمعجزة تحل بجسده في الليلة الوحيدة التي يقضيها في ذلك الهيكل [1] .

            ولقد اقتصرت الآفاق الخلقية في الطب اليوناني على قسم ( أبو قراط ) الشهير [2] ، والذي كان مضمونه أن يقسم كل طبيب للأرباب والربات من أمثال: أبولون، وسكلابيوس، وهجيايا، وبيناكيا... وغيرهم بأن «يذهب إلى كل البيوت لفائدة مرضاها دون الذهاب إلى أصحاب الأمراض المستعصية، هـؤلاء الذين لا يرجى شفاؤهم، وكان ذلك استنادا إلى تعريف (أبو قراط) للطب بالفن الذي ينقذ المرضى من آلامهم، ويخفف من وطأة النوبات العنيفة، ويبتعد عن معالجة الأشخاص الذين لا أمل في شفائهم؛ إذ أن المرء يعلم أن فن الطب لا نفع له في هـذا الميدان» [3] .

            وهنا نجد الرازي من أطباء العرب والمسلمين يتعدى هـذه الحدود الأخلاقية الأبقراطية حيث رآها قاصرة، ويفكر كأول طبيب في معالجة [ ص: 122 ] المرضى الذين لا أمل في شفائهم، فكان بذلك رائدا في هـذا المجال، لقد رأى الرازي أن الواجب يحتم على الطبيب ألا يترك هـؤلاء المرضى «وأن عليه أن يسعى دوما إلى بث روح الأمل في نفس المريض، ويوهمه أبدا بالصحة ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس» [4] .

            ومن أشهر الأمراض التي اعتبرها سابقوه مستحيلة البرء وعالجها الرازي الأمراض النفسية والعقلية العصبية، وكما فعل الرازي بالنسبة للأمراض العضوية من تقديم وصف مفصل للمرض يشرح فيه علاماته، وأعراضه، ثم يصف له العلاج المناسب، فإنه قد فعل الشيء نفسه بالنسبة لهذه الأمراض، ومن الأمثلة على ذلك قولـه: «الغم الشـديد الدائم الذي لا يعرف له سبب، وخبث النفس، وسوء الرجاء ينذر بالمالنخوليا» [5] .

            ثم نراه يقدم وصفا بليغا لهذا المرض فيقول: «ومن العلامات الدالة على ابتداء المالنخوليا : حب التفرد والتخـلي عن الناس على غير وجه حاجة معروفة أو علة كما يعرض للأصحاء لحبهم البحث والستر للأمر الذي يجب ستره. وينبغي أن يبادر بعلاجه؛ لأنه في ابتدائه أسهل ما يكون، ويعسر ما يكون إذا استحكم. وأول ما يستدل على وقوع الإنسان في المالنخوليا هـو أن يسرع إلى الغضب والحزن والفزع بأكثر من العادة، ويحب التفرد والتخلي، فإن كان مع هـذه الأشياء بالصورة التي أصف، فليقو ظنك، ويكن لا يفتح عينيه قليلا، وشفاههم غليظة، وصدورهم وما يليها عظيم، وما دون ذلك من البطن ضامر، وحركتهم قوية سريعة لا يقدرون على التمهل، دقاق الأصوات، ألسنتهم سريعة الحركة بالكلام، ولا يظهر في كل هـؤلاء قيء وإسهال معه كيموس أسود، بل ربما كان الأكثر الظاهر منهم البلغم، فإن ظهر في الاستفراغ شيء أسود دل على غلبة ذلك وكثرته في أبدانهم، وخف منهم مرضهم قليلا [6] . [ ص: 123 ] وينصح الرازي أصحاب هـذا المرض بالسفر والانتقال إلى بلد آخر مغاير لبلدهم في المناخ، فيقول: «إذا أزمن بالمريض المرض وطال فانقله من بلده إلى بلد مضاد المزاج لمزاج علته، فإن الهواء الدوام لقائه يكون علاجا تاما، وقد برأ خلق كثير من المالنخوليا بطول السفر» [7] .

            عن أعراض مرض الصرع يقول الرازي : «الكابوس والدوار إذا داما وقويا ينذران بالصرع، فلذلك ينبغي أن لا يتغافل عنهما إذا حدثا بودر بعلاجهما على ما ذكرنا في موضعه» [8] .

            ومن أمثلة معالجات الرازي في هـذا الشأن ما يلي:

            «استدعي الرازي لعلاج أمير بخارى الذي كان يشكو من آلام حادة في المفاصل، لدرجة أنه كان لا يستطيع الوقوف، وعالجه الرازي بكل ما لديه من أدوية، ولكن دون جدوى، وأخيرا استقر الرازي على العلاج النفسي، [ ص: 124 ] فقال للأمير إنه سوف يجرب علاجا جديدا غدا، ولكن على شرط أن يضع الأمير أسرع جوادين لديه تحت تصرفه، فأجابه الأمير. وفي اليوم التالي ربط الرازي الجوادين خارج حمام بظاهر المدينة، ثم دخل هـو والأمير غرفة الحمام الساخنة، وأخذ يصب عليه الماء الساخن، وجرعه الدواء ثم خرج ولبس ملابسه وعاد شاهرا سكينا في وجه الأمير، مهددا إياه بالقتل، فخاف الأمير، وغضب غضـبا شديدا، وسرعان ما نهض واقفا على قدميه، بعد أن كان لا يستطيع، وهنا فر الرازي من الحمام إلى حيث ينتظر خادم الأمير مع الجوادين، فركبا وانطلقا بسرعة. وعندما وصل الرازي إلى بلده، أرسل إلى الأمير رسالة شارحا فيها ما حدث من أنه لما تعسر علاجه بما أوحاه إليه ضميره، وخشي من طول مدة المرض لجأ إلى العلاج النفساني، واختتم الرسالة بأنه ليس من اللياقة أن يقابل الأمير بعد ذلك، فلما عزم الرازي على عدم الرجوع، أرسل إليه مائتي حمل من الحنطة، وحلة نفيسة، وعبد وجارية، وجواد مطعم، وأجرى عليه ألفي دينار سنويا» [9] .

            وهذا المثال يوضح أن الرازي قد أدرك أثر العامل النفسي في صحة المريض، وليس هـذا فحسب بل وفي إحداث الأمراض العضوية؛ من ذلك مثلا أن سوء الهضم يكون له «أسباب بخلاف رداءة الكبد والطحال، منها حال الهواء والاستجمام، ونقصان الشرب، وكثرة إخراج الدم والجماع، والهموم النفسانية» [10] . [ ص: 125 ] وبذلك يكون الرازي قد تنبه إلى ما يسمى في العصر الحديث بـ: الأمراض النفسجسيمية «Psychomatic diseases»، وهي موضوع اهتمام أحدث فروع الطب.

            ومن أمثلة الحالات النفسية التي عالجها الرازي بما هـو متبع الآن في الطب النفسي حالة [11] انشغال النفس في الأشياء العميقة البعيدة التي إذا فكرت فيها (أي نفس) لم تقدر على بلوغ عللها، فحزنت واغتمت واتهمت في عقلها، فيقول: إن رجلا شكا إليه، وسأله أن يعالجه من مرة سوداوية، فقال الرازي : فسألته: ما تجد؟ قال: أفكر في الله تعالى من أين جاء وكيف ولد الأشياء. فأخبرته أن هـذا فكر يعم العقلاء أجمع. فبرأ من ساعته، وقد كان اتهم عقله حتى أنه كاد يقصر في ما يسعى فيه من مصالحه وغير واحد عالجته بحل فكره.

            والذي نلاحظه في هـذه الحالة [12] أنه استعمل التحليل النفسي فقال: (عالجته بحل فكره) . وهو ما يفعله الأطباء النفسانيون حاليا في معالجة مثل هـذه الحالات.

            ويعتبر قول الرازي السالف الذكر: «فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس» دليلا واضحا على أولوية النفس في الصلة بينها وبين الجسم. لذا ينصح الرازي بأن يكون طبيب الجسم طبيبا للنفس أولا، فيستطيع أن يقف على ما يجري في [ ص: 126 ] نفس المريض من خواطر، ويستشف من خلاله ملامح الظاهرة ما يعينه على تشخيص المرض العضوي، ولأهمية هـذا الجانب صنف الرازي كتابا خاصا أسماه: «الطب الروحاني»، غرضه فيه: إصلاح أخلاق النفس.

            والناظر في موضوعات هـذا الكتاب يرى أنها مفيدة جدا، على الأقل بالنسبة للطبيب أو المعالج النفساني، كأخلاق ينبغي أن يتمسك بها، خاصة وهو يعالج الاضطرابات النفسية.

            ولقد تمسك الرازي بالتوازن القائم بين النفس والجسد، وأبرز الصلة بينهما، وإلى أي حد يوجد تأثير وتأثر بينهما، وذلك من خلال فصول كتابه العشرين، والتي يتضح منها أيضا أن للنفوس أمراضا يمكن علاجها كأمراض الأبدان تماما، وأن الجسم المريض ينتج عنه أخلاقا رديئة، وعلاجها إنما هـو علاج لهذه الأخلاق، وإن الأثر النفسي على مزاج الجسد يحدث الوسواس والمالنخوليا [13] .

            ولم يتوقف الرازي في معالجة مثل هـذه الأمراض عند حد استخدام ذكائه، وفهم مشاعر المريض، بل نراه ينصح باستعمال الأدوية والأعشاب الطبيعية تماما كما في معالجة الأمراض العضوية، فمن ذلك قوله: «...ولوجع الفؤاد يدق الجرجير ويشرب ثلاثة أيام على الريق مع الزبيب» [14] .

            ولزيادة الفائدة يذكر أن من المعالجات ما يكون صالحا لعلل عضوية ونفسية في آن [ ص: 127 ] واحد فيقول: يسقى من الراسن درهمين بماء حار للهم والغم ووجع الفؤاد وفم المعدة [15] . فالهم والغم ووجع الفؤاد من المشاعر النفسية، بينما يندرج ألم فم المعدة ضمن سلسلة العلل العضوية.

            وخلاصة القول: إن الرازي كان سباقا في الاهتمام بمعالجة أصحاب الأمراض النفسية، فسجل بذلك للمسلمين والعرب أروع الصفحات في تاريخ الإنسانية، فقد كان اليونان يأمرون أهل المريض الذي يعاني ضعفا في قواه العقلية بحبسه في منـزلهم، حتى يمنع ضرره عن المجتمع، وكانت أوروبا في العصور الوسطى تعامل أصحاب هـذه العلل أسوأ معاملة يعامل بها إنسان «فكان هـؤلاء البشر المعذبون يوضعون في سجون مظلمة، وقد قيدت أيديهم وأرجلهم، أو يعزلون عن العالم وعن أهلهم في مستشفي السجن، أو «البيت العجيب»، أو «برج المجانين»، أو «القفص العجيب»، كما كانوا يسمونها آنذاك، ويسلم أمرهم إلى رجال أفظاظ لا يعرفون إلا لغة الضرب والشتم والتعذيب، وذلك أمد الحياة» [16] .

            وكان مبعث ذلك لدى الأوروبيين آنذاك هـو الاعتقاد السائد بأن هـذا المريض قد لعنته السـماء، عقابا له على إثم ارتكبه، فأنزلت به هـذا المرض. أو أن شيطانا ماكرا ضـاقت به الدنيا فحل في جسم هـذا المريض. وعلى ذلك فإنه يحل تعذيب ذلك الجسد؛ لأنه بمثابة منـزل لشيطان رجيم. أي فهم خاطئ للدين كان هـذا؟ وقد ظلت أوروبا على هـذا الحال إلى قبيل [ ص: 128 ] القرن التاسع عشر، عندما قام طبيب فرنسي يدعى « بينل Pinel» بمطالبة مجلس الأديرة بتحرير المجانين السجناء، وتسلميهم لعناية ورعاية الأطباء [17] .

            كان هـذا في الوقت الذي خصص فيه العرب البيمارستانات الخاصة بهذا المريض، والتي كان يعامل فيها معاملة كريمة تليق به كإنسان؛ ومن الأمثلة على ذلك البيمارستان العضدي في بغداد، الذي شغل الرازي منصب ساعور له، كان به قسم خاص لهؤلاء المرضى، وقد تولى الرازي بنفسه مراقبتهم والإشراف على علاجهم. وسيأتي الحديث بشيء من التفصيل عن البيمارستان التي شهدها العالم الإسلامي، وشهدت هـي أقساما لعلاج أصحاب الأمراض العقلية.

            تلك كانت أمثلة عن بعض إسهامات الرازي في هـذا المجال. وهناك أطـباء كثيرون غير الرازي كل أدلى بدلوه في هـذا الميدان؛ مثل جبرائيل ابن بختيشوع ، وعلي بن رضـوان ، وأبو القاسـم الزهراوي ، ورشـيد الدين أبو حليقة ، وسكرة الحلبي ، والشيخ الرئيس ابن سينا .

            فمما وصل إلينا عن جبرائيل بن يختيشوع مثلا هـذه الحالة التي سجلها ابن أبي أصيبعة [18] حيث يذكر أنه كان لهارون الرشيد جارية رفعت يدها فبقيت هـكذا لا يمكنها ردها. والأطباء يعالجونها بالتمريخ والإدهان، ولا ينفع ذلك شيئا، فاستدعى جبرائيل بن بختشيوع ، فقال له الرشيد : أي شيء تعرف [ ص: 129 ] عن الطب؟ فقال: أبرد الحار، وأسخن البارد، وأرطب اليابس، وأيبس الرطب الخارج عن الطبع. فضحك الخليفة، وقال: هـذا غاية ما يحتاج إليه في صناعة الطب، ثم شرح له حال الصبية، فقال له جبرائيل : إن لم يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة. فقال له: وما هـي؟ قال: تخرج الجارية إلى هـنا بحضرة الجميع حتى أعمل ما أريده، وتمهل علي ولا تعجل بالسخط. فأمر الرشيد بإحضار الجارية فخرجت. وحين رآها جبرائيل عاد إليها ونكس رأسه ومسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها، فانزعجت الجارية، ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت أعضاؤها، وبسطت يدها إلى أسفل ومسكت ذيلها. فقال جبرائيل: قد برئت يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد للجارية: أبسطي يدك يمنة ويسرة، ففعلت ذلك، وعجب الرشيد وكل من كان بين يديه.

            يفسر علم النفس الحديث حـالة هـذه الفتاة على أنـها حالة «فصام» «Schizophrenia» من نوع يسـمى: « الفصـام التشـنجي Catatonia» أو « الفصام التصلبي ، Catatonic»، الذي يتميز سلوك صاحبه بالتيبس النفسي والجسمي، حيث يجلس المريض ساعات طويلة جامدا لا يتحرك، وإذا رفع يده أو ذراعه فإنه يبقيه لمدة طويلة كما لو كان منفصلا عن جسمه [19] . لذا تعتبر هـذه الحالة إحـدى الاضطرابات الحركية [20] ذات الأعراض التكوينية والنفسية [21] . [ ص: 130 ] وربما تنتج عن الاستثارة المستمرة الداخلية منطقة غير محددة بالمخ حيث يزداد نشاط «الجاما أمينو بيوتريك أسيد، GABA Gamma amino butyric acid» [22] .

            والفصام أو الشيزوفرنيا بلغة العلم الحديث هـو مرض ذهاني يتسم بمجموعة من الأعراض النفسية والعقلية يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات واضحة في السلوك والشخصية العامة، وذلك إن لم تعالج في بدايتها. ويتميز الفصامي بسمات معينة تميزه، منها: أنه لا يسلك دائما سلوكا متوائما مع الموقف، ويظهره دائما في صورة الشخص الذي يصعب التآلف معه؛ حيث يتسم سلوكه دائما بتصيد أخطاء الآخرين، فضلا عن عدم تمييزه بين الواقع والخيال والهلوسات السمعية والبصرية، والبرود العاطفي، والهذاءات، وانهيار عمليات التفكير بصفة عامة.

            وينقسم الفصام إلى خمسة أنواع؛ هـي:

            - الفصام البارانويي : وأبرز أعراضه هـذاءات العظمة.

            - والفصام التخشبي أو الكاتاتوني : وفيه يتخذ المريض أوضاعا متخشبة أو ثابتة يظل عليها لفترات طويلة.

            - والفصام الهيبفريني : وأبرز سماته القيام بأعمال مشينة أو تافهة مع إطلاق عبارات خالية تماما من المعنى.

            - والفصام الوجـداني : الذي يتميز بتغـيرات واضـحة في الحـالة الوجدانية.

            - والفصام البسيط : الذي يتميز صاحبه بالبلادة والخمول، وعدم الاكتراث بأي شيء. [ ص: 131 ] ويلاحظ أن الطبيب « جـبرائيل » قد اسـتخدم ما يعرف حـاليا « بالعلاج السلوكي ، Behavior Therapy»، الذي يهتم في أبسط حالاته بعلاج العرض الملاحظ.

            ويعتمد العلاج السلوكي على أبحاث ونظريات « بافلوف Pavlov»؛ أحد رواد المدرسة السلوكية التي تعنى بتفسير السلوك الإنساني كاستجابة لمثير خارجي دون إعطاء أهمية للعوامل الداخلية للفرد بالإضافة إلى إسهامات B.F.SKi.nner سكنر في هـذه النظرية [23] ؛ حيث استخدم جبرائيل الفعل المنعكس Reflex action، الذي لا يصدر عن المخ، وإنما يصدر عن النخاع الشوكي، وبالتالي لا يخضع للتفكير الرمزي.

            فالانعكاس العصبي أو قوى الانعكاس Reflex arc واحد من أبسط الأنشطة المعروفة عن النخاع الشوكي، ويعنى بالتكيف التلقائي : الإبقاء على توازن الجسم دون تفكير [24] .

            فتصلب يد الفتاة فعل قسري تعجز عن تغييره بطرق الإقناع العادية، ولذلك فلا بد أن يتم علاجه بظروف تعجز الفتاة عن عدم الاستجابة لها؛ أي: بفعل لا إرادي، وهذا ما فعله جبرائيل، وهي طريقة أقرب ما يمكن «لطريقة الكف المتبادل الحديثة حيث أبطلت الاستجابة القديمة بواسطة استجابة جديدة أقوى منها» [25] . [ ص: 132 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية