الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            - أوحد الزمان

            من نوادر الطبيب « أوحد الزمان البلدي »: أن مريضا ببغداد كان يعتقد أن على رأسه دنا، وأنه لا يفارقه أبدا. فكان كلما مشى يتحايد المواضع التي سقوفها قصيرة ويمشـي برفق ولا يترك أحـدا يدنو منه؛ حتى لا يميل الدن أو يقع عن رأسه. وبقي بهذا المرض وهو في شدة منه. وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل بمعالجتهم تأثير ينتفع به. وأنهى أمره إلى « أوحد الزمان »، ففكر أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ إلا بالأمور الوهمية، فقال لأهله: إذا كنت في الدار فأتوني به. ثم إن «أوحد الزمان» أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل إليه وشرع في الكلام معه، وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما أن يسرع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يريد الدن الذي يزعم أنه على رأسه، وأوصى غلاما آخر، وكان قد أعد معه دنا في أعلى السطح، أنه إذا رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق رأس صاحب «المالنخوليا» أن يرمي الدن الذي عنده بسرعة إلى الأرض.

            ولما كان «أوحد الزمان» في داره، وأتاه المريض شرع في الكلام معه وحادثه، وأنكر عليه حمله للدن، وأشار إلى الغلام الذي عنده من غير علم المريض فأقبل إليه، وقال: والله لا بد لي أن أكسر الدن وأريحك منه. ثم أدار تلك الخشبة التي معه، وضرب بها فوق رأسه بنحو ذراع، وعند ذلك رمى الغلام [ ص: 139 ] الآخر الدن من أعلى السطح، فكانت له جلبة عظيمة، وتكسر قطعا كثيرة، فلما عاين المريض ما فعل به، وأن الدن منكسر، تأوه لكسرهم إياه، ولم يشك أنه الذي كان على رأسه بزعمه، وأثر فيه الوهم أثرا برأ من علته تلك.

            في علم النفس الحديث تفسير حالة مريض بغداد هـذه على أنها حالة أعراض « هـلاوس ، Halluacination» [1] ؛ وهي من الأعراض الشائعة لدى الذهانيين والنادرة بين العصابيين؛ وتعرف « الهلاوس » على أنها: مدركات حسية خاطئة، ذات طابع قشري لا تنشأ عن موضوعات واقعية في العالم الخارجي، بل عن وضوح الخيالات والصور الذهنية ونصوعها نصوعا شديدا بحيث يسـتجيب لها المريض كوقائع بالفعل، وقد تكون هـذه الهلاوس بصرية سمعية أو ذوقية أو حتى شمية [2] ، وهي في حالتنا هـذه هـلاوس بصرية.

            وقد استخدم «أوحد الزمان» في علاجه لهذه الحالة ما يعرف بـ: العلاج بالإيحاء ، وهي طريقة لعلاج أعراض المرض تساعد على تخليص المريض من اعتقاده الفاسد [3] . [ ص: 140 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية