الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : إذا عجل المكاتب النجوم قبل المحل ، فإن لم يكن على السيد ضرر في القبول أجبر عليه ، وإن كان بأن كان لا يبقى بحاله إلى وقت الحلول كالطعام الرطب ، ألزمه له مؤنة كالحيوان ، وما يحتاج إلى حفظ ، أو كان في أيام فتنة أو غارة ، فيجبر على القبول .

                                                                                                                                                                        فلو أنشأ العقد في وقت الفتنة والغارة ، لم يجبر على الأصح ؛ لأنها قد تزول عند المحل .

                                                                                                                                                                        ولو أتى بالنجوم في غير بلد العقد ، فإن كان في النقل مؤنة ، أو كان الطريق أو ذلك البلد مخوفا لم يجبر على القبول ، وإلا فيجبر .

                                                                                                                                                                        ولو أتى بالنجم في محله ، والسيد غائب ، قبض القاضي عنه ، وكذا يقبض عنه إذا امتنع وهو حاضر ، ويعتق المكاتب .

                                                                                                                                                                        ولو أتى بالنجم قبل الحول ، والسيد غائب ، قبض عنه أيضا إذا علم أن السيد لا ضرر عليه في أخذه ، قال الصيدلاني : ومثله لو كان للغائب دين على حر ، فأذن له الحاكم ، [ ص: 252 ] هل يقبضه للغائب ؟ وجهان . أصحهما : المنع ؛ لأنه ليس للمؤدي غرض إلا سقوط الدين عنه ، والنظر للغائب أن يبقى المال في ذمة المليء ، فإنه خير من أن يصير أمانة عند الحاكم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا أتى المكاتب بالنجوم ، فقال السيد : هذا حرام ، أو مغصوب ، نظر إن أقام بينة بذلك لم يجبر على قبوله ، وتسمع منه هذه البينة ؛ لأن في إقامتها غرضا ظاهرا ، وهو الامتناع عن الحرام ، هكذا أطلقه كثيرون .

                                                                                                                                                                        وقال الصيدلاني : إنما تقبل البينة إذا عين له مالكا ، [ أما ] إذا لم يعين ، فلا تتصور البينة للمجهول ، ولا معنى لقولهم : إنه مغصوب . والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        وإن لم يكن بينة ، فالقول قول المكاتب بيمينه أنه له ؛ لظاهر اليد ، فإن نكل حلف السيد ، وكان كإقامة البينة ، في وجه : لا يحتاج السيد إلى بينة ، والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        ولا تثبت [ بينة ] السيد في حق المالك الذي عينه ، ولا يسقط بحلف المكاتب حقه ، ثم إذا حلف المكاتب ، فالمذهب أنه يجبر السيد على قبوله ، أو إبرائه عن ذلك القدر فإن امتنع منهما ، أخذ الحاكم تلك النجوم ، وعتق المكاتب .

                                                                                                                                                                        وقيل : في إجباره على الأخذ قولان .

                                                                                                                                                                        ثم إذا أخذه السيد ، نظر إن عين له مالكا ، أمر بتسليمه إليه بلا خلاف ، مؤاخذة له باعترافه ، وإن لم يقبل قوله على المكاتب .

                                                                                                                                                                        وإن لم يعين مالك ، بل اقتصر على قوله : هو مغصوب ، أو مسروق ، أو حرام ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : ينتزعه الحاكم ويحفظه ببيت المال إلى أن يظهر مالكه . وأصحهما : لا ينتزعه ؛ لأنه لم يقر لمعين .

                                                                                                                                                                        ونقل الروياني وغيره على هذا أن يقال : امسكه حتى يتبين صاحبه ، ويمنع من التصرف [ ص: 253 ] فيه ، فإن كذب نفسه ، فقال : هو للمكاتب [ كان ] كما ادعاه ، قال الإمام : فالصحيح أنه يقبل ، وينفذ تصرفه فيه بحسبه .

                                                                                                                                                                        قال : وإن قلنا : يزيل الحاكم يده ، فالظاهر أنه لو كذب نفسه ، لا يقبل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا جاء المكاتب بالنجم عند المحل ، وعلى شرط السيد أن يبرئه فالشرط لغو ، وللسيد أخذه ، فلا يلزمه أن يبرئه عن الباقي ، وإن عجل قبل المحل على أن يبرئه عن الباقي فأخذه وأبرأه ، لم يصح القبض ، ولا الإبراء .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أبرأتك عن كذا ، بشرط أن تعجل لي الباقي ، وإذا عجلت علي كذا فقد أبرأتك عن الباقي ، فعجل لم يصح القبض ولا الإبراء ، وإذا لم يصح لا يحصل العتق ، وعلى السيد رد المأخوذ .

                                                                                                                                                                        هذا هو المذهب ، وأشار المزني إلى ترديد قول في صحة القبض والإبراء ، ولم يسلم له جمهور الأصحاب اختلاف القول ، وحملوا التجويز على ما إذا لم يجر شرط ، فابتدأ بذلك .

                                                                                                                                                                        ولو أنشأ رضى جديدا بقبضه عما عليه حكم بصحته ، كما لو أذن للمشتري في قبض ما في يده عن جهة الشراء ، أو للمرتهن في قبضه عن جهة الرهن .

                                                                                                                                                                        ولو أخذ السيد ما عجله المكاتب ، وأبرأه عن الباقي بلا شرط ، أو عجز المكاتب نفسه ، فأخذ السيد ما معه ، وأبرأه عن الباقي ، أو أعتقه ، جاز .

                                                                                                                                                                        ولو أراد السيد والمكاتب حيلة يعتق بها بما عجل ، ويكون بجهة الكتابة ، فقال الأصحاب : طريقه أن يقول : إذا عجزت نفسك ، وأديت كذا ، فأنت حر ، فإذا وجدت الصفات عتق عن جهة الكتابة ؛ لأنها لا ترتفع بمجرد تعجيز نفسه ، وإنما ترتفع إذا فسخها بعد التعجيز ، وإذا عتق عن الكتابة ، كانت الأكساب له ، [ ص: 254 ] فيتراجعان ، فيرجع المكاتب على السيد بما أخذه ، والسيد عليه بقيمته ؛ لأنه أعتقه على عوضين : التعجيز ، والمال المذكور ، والتعجيز لا يصلح عوضا ، فكأنه أعتقه بعوض فاسد .

                                                                                                                                                                        قال صاحب " الشامل " : ولو لم يعلق هكذا ، ولكن قال : إن أعطيتني كذا فأنت حر ، فأعطاه ، عتق ، ولكنه عوض فاسد ؛ لأن المكاتب لا تصح المعاوضة عليه ، فيعتق بالصفة ، وعليه تمام قيمته .

                                                                                                                                                                        ولو عجل المكاتب النجم ، على أن يعتقه ، ويبرئه عن الباقي ، ففعل السيد ذلك ، عتق المكاتب ، ورجع عليه بقيمته ، ويرجع المكاتب على السيد بما دفع ؛ لأنه أعتقه بعوض فاسد ، حكاه القاضي عن النص .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية