الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        المدعي إذا ردت اليمين عليه قد يحلف ، وقد يمتنع ، فإن حلف استحق المدعى ، وهل يمينه بعد نكول المدعى عليه كالبينة ، أم كإقرار المدعى عليه ؟ فيه قولان ، أظهرهما الثاني ، ويتفرع عليهما مسائل كثيرة مذكورة في مواضعها . ومنها أن المدعى عليه لو أقام بينة بالأداء أو الإبراء بعد ما حلف المدعي ، فإن قلنا : يمينه كالبينة ، سمعت بينة المدعى عليه ، وإن قلنا : كالإقرار ، فلا ، لكونه مكذبا للبينة بالإقرار ، [ ص: 46 ] وهل يجب الحق بفراغ المدعي من اليمين المردودة ، أم لا بد من حكم الحاكم بالحق ؟ وجهان ، حكاهما الهروي ، الأرجح الأول ، أما إذا امتنع المدعي من الحلف ، فيسأله القاضي عن امتناعه ، فإن لم يتعلل بشيء أو قال : لا أريد الحلف ، فهذا نكول يسقط حقه من اليمين ، وليس له مطالبة الخصم وملازمته ، وهل يتمكن من استئناف الدعوى ، وتحليفه في مجلس آخر ، فإن نكل حلف المدعي ، أم لا يتمكن من ذلك ، ولا ينفعه بعده إلا البينة ؟ وجهان ، الذي ذكره العراقيون ، والهروي والروياني الأول ، وبالثاني قال الإمام والغزالي والبغوي ، وهو أحسن وأصح ، لئلا تتكرر دعواه في القضية الواحدة ، وإن ذكر المدعي لامتناعه سببا ، فقال : أريد أن آتي بالبينة أو أسأل الفقهاء ، أو أنظر في الحساب ، ترك ولم يبطل حقه من اليمين وهل تقدر مدة الإمهال بثلاثة أيام ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، لئلا تطول مدافعته ، والثاني : لا تقدير ؛ لأن اليمين حقه ، فله تأخيره إلى أن يشاء كالبينة . ولم يذكر الشافعي رحمه الله فيما إذا امتنع المدعى عليه من اليمين أنه يسأل عن سبب امتناعه ، فقال ابن القاص : قياس ما ذكره في امتناع المدعي أن يسأل المدعى عليه عن سبب امتناعه أيضا ، وامتنع عامة الأصحاب من هذا الإلحاق فارقين بأن امتناع المدعى عليه أثبت للمدعي حق الحلف ، والحكم بيمينه ، فلا يؤخر حقه بالسؤال ، وامتناع المدعي لا يثبت حقا لغيره ، فلا يضر السؤال . ولو قال المدعى عليه حين استحلف : أمهلوني لأنظر في الحساب ، أو أسأل الفقهاء ، فهل يمهل ثلاثة أيام ، أم لا يمهل شيئا إلا برضا المدعي ؟ وجهان ، أصحهما وأشهرهما الثاني ؛ لأنه مقهور محمول على الإقرار ، أو اليمين بخلاف المدعي ، فإنه مختار في طلب حقه وتأخيره ، ولو استمهل المدعى عليه [ ص: 47 ] في ابتداء الجواب لينظر في الحساب ، وذكر الهروي أنه ينظر إلى آخر المجلس إن شاء . ولو علل المدعي امتناعه بعذر كما ذكرنا ، ثم عاد بعد مدة ليحلف ، مكن منه ، وإن لم يتذكر القاضي نكول خصمه ، أثبته بالبينة ، وكذا لو أثبت عند قاض آخر نكول خصمه له أن يحلف ، وكذا لو نكل المدعى عليه في جواب وكيل المدعي ، ثم حضر الموكل له أن يحلف ، ولا يحتاج إلى استئناف دعوى ، ولو أقام المدعي شاهدا ليحلف معه ، فلم يحلف ، فهو كما لو ارتدت اليمين إليه ، فلم يحلف ، فإن علل امتناعه بعذر ، عاد الوجهان في أنه على خيرته أبدا ، أم لا يزاد على ثلاثة أيام ؟ وإن لم يعلل بشيء ، أو صرح بالنكول ، فقد ذكر الغزالي والبغوي أنه يبطل حقه من الحلف ، وليس له العود إليه ، واستمر العراقيون على ما ذكروه هناك ، قال الأصحاب : لو امتنع من الحلف مع شاهده ، واستحلف الخصم ، انقلبت اليمين من جانبه إلى جانب صاحبه ، فليس له أن يعود ويحلف إلا إذا استأنف الدعوى في مجلس آخر ، وأقام الشاهد ، فله أن يحلف معه ، وعلى الأول لا ينفعه إلا بينة كاملة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية