الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وحمل لحاجة أو فقر بلا تجر ، وإبدال ثوبه [ ص: 309 ] أو بيعه ، بخلاف غسله ، إلا لنجس فبالماء فقط ، وبط جرحه ، وحك ما خفي [ ص: 310 ] برفق ، وفصد إن لم يعصبه ، وشد منطقة لنفقته على جلده ، وإضافة نفقة غيره ، وإلا ففدية : كعصب جرحه أو رأسه ، [ ص: 311 ] أو لصق خرقة : كدرهم أو لفها على ذكر ، أو قطنة بأذنيه ، أو قرطاس بصدغيه ، أو ترك ذي نفقة ذهب ; أو ردها له .

التالي السابق


( و ) جاز لمحرم ( حمل ) لخرجه أو جرابه على رأسه أو وقره الذي فيه متاعه على ظهره مشدودا حبله على صدره بكسر الواو المحمل ( لحاجة ) أي احتياج للحمل ولو غنيا حيث لم يجد من يستأجره ، أو وجده ولم يجد أجرة ( أو فقر ) يحمل لنفسه بسببه حزمة حطب مثلا يتمعش بثمنها أو لغيره بأجرة لعيشه ( بلا تجر ) ولا يجوز لحمله لغيره لغير عيشه ولو تطوعا ولا غني لنفسه بخلا بأجرته ، فإن حمل افتدى . أشهب ما لم يكن تجره لعيشه كالعطار المصنف في منسكه الظاهر أنه تقييد وكلام ابن بشير يفيد أنه خلاف .

( و ) جاز ( إبدال ) جنس ( ثوبه ) أي المحرم الذي أحرم فيه من إزار ورداء ولو تعدد أو نوى بذلك طرح الدواب التي فيه إذ لا يجب عليه شعوثة لباسه ; لأن الإمام [ ص: 309 ] مالكا " رضي الله عنه " رأى نزع ثوبه بقمله بمثابة من ارتحل من بيت وأبقاه ببقه حتى مات حتف أنفه . وأما نقل الدواب إلى الثوب الذي يريد طرحه من جسده أو ثوبه الذي عليه فهو كطرحها ( أو بيعه ) أي ثوب المحرم ولو لإذاية قمله على المشهور عند مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما .

وقال سحنون إنه كطرد الصيد من المحرم ، وفرق بأن طرد الصيد إخراج لغير مأمن ، والقمل يجوز قتله لغير المحرم قبل البيع وبعده . مالك " رضي الله عنه " لا بأس أن ينقل القملة من مكان من بدنه أو ثوبه إلى مكان آخر منه وإن سقطت من رأسه قملة فليدعها ولا يردها في مكانها . وسئل مالك " رضي الله عنه " عن المحرم يجد عليه البقة وما أشبهها فيأخذها فتموت قال لا شيء عليه في هذا .

( بخلاف غسله ) أي : ثوب المحرم لغير نجاسة بل لترفه أو وسخ أو غيرهما فيكره على ظاهرها حيث شك في قمله ، قال قتل شيئا أخرج ما فيه فإن تحقق قمله منع غسله لما ذكر فإن غسله وقتل شيئا أخرج ما فيه ( إلا ) غسله ( لنجس ) أصابه ( ف ) يجوز ( بالماء فقط ) لا بنحو صابون . ولو شك في قمله ولا شيء عليه في قتله حينئذ كما في الموازية . وفي الطراز يندب إطعامه ولا يجوز بنحو صابون فإن غسله به وقتل شيئا أخرج واجبه . فإن تحقق نفي قمله جاز مطلقا ولو بنحو صابون لغير نجاسة . البناني صرحت المدونة بكراهة غسله لغير نجاسة . وقال ابن عبد السلام والمصنف : إنها على بابها وتعقبا بذلك ظاهر ابن الحاجب الذي هو كظاهر المصنف . الحط ظاهر الطراز أنه ممنوع وهو الموافق لظاهر المصنف وابن الحاجب ، ويمكن حمل الكراهة في المدونة والموازية عليه فيسقط تعقب ابن الحاجب والمصنف والله أعلم .

( و ) جاز ب ( بط جرحه ) أي : فتحه وإخراج ما فيه بعصر ونحوه ، وكذا وضع لزقة عليه ومثله الدمل ونحوه لحاجته له ( و ) جاز ( حك ما خفي ) عليه من جسده كرأسه [ ص: 310 ] وظهره ( برفق ) يأمن معه قتل الدواب وطرحها وكره بشدة وأما ما يراه فله حكه وإن أدماه ( و ) جاز ( فصد ) لحاجة كما في الموطإ والمدونة وإلا كره ( إن لم يعصبه ) بفتح فسكون فكسر فإن عصبه ولو لضرورة افتدى .

( و ) جاز ( شد منطقة ) بكسر الميم وفتح الطاء ابن فرحون أي : هميان مثل الكيس تجعل الدراهم فيه وشدها جعل سيورها في ثقبها أو فيما يقال له إبزيم ، روى الباجي مساواة كونها من جلد أو خرق فإن عقدها افتدى وشرط جواز شدها كونه ( لنفقته على جلده ) أي المحرم تحت إزاره ، والهميان بكسر الهاء وتقديم الميم على المثناة تحت . ابن حجر يشبه تكة السراويل . ابن عرفة فيها لا بأس بربط منطقته تحت إزاره وجعل سيورها في ثقبها . ( و ) جاز ( إضافة نفقة غيره ) لنفقته التي في منطقته التي شدها على جلده ، بأن يودعه رجل نفقته بعد شدها لنفقة نفسه فيجعلها معها بلا مواطأة على الإضافة قبل شدها وربما يدل له كلامها في محل آخر ; لأن المواطأة على الممنوع ممنوعة وهو ظاهر المصنف أيضا ( وإلا ) أي : وإن لم يشدها لنفقته بأن شدها فارغة أو لمال تجارة أو له ولنفقته أو فوق إزاره أو لنفقة غيره أو تجر غيره ، أو لنفقته وإضافة تجر غيره أو شدها لنفقته ونفقة غيره معا ابتداء ، أو شدها مجردة عن قصده ( ففدية ) في هذه الصور وشبه في وجوب الفدية أمورا جائزة فقال ( كعصب جرحه أو رأسه ) لعله بخرقة ولو صغيرة ; لأن العصب مظنة الكبر .

وفصل ابن المواز في العصب بين الخرق الصغار والكبار كما في اللصق . وفرق التونسي بينهما بأن العصب والربط أشد من اللصق إذ لا بد فيهما من حصول شيء على الجسم الصحيح بخلاف اللصق ، ولذا صرح فيها بأن صغير خرق العصب والربط ككبيرها . [ ص: 311 ] أو لصق خرقة ) على جرحه أو رأسه ( كدرهم ) بغلي بموضع أو مواضع لو جمعت كانت قدره . وظاهر التوضيح وابن الحاجب لا شيء عليه في جمعه من مواضع ولا فدية في لصق خرقة أقل من درهم . ابن عاشر هذا والله أعلم خاص بجراح الوجه والرأس ; لأنهما اللذان يجب كشفهما كما علل به التونسي ( أو لفها ) أي : الخرقة ( على ذكر ) لمنع مني أو مذي أو ودي أو بول من وصوله لثوب ، بخلاف جعل ذكره فيها عند نومه بلا لف فلا فدية فيه ، فإن جعله في كيس فالفدية بالأولى .

( أو ) جعل ( قطنة ) ولو بلا طيب أو صغيرة ( بأذنيه ) أو إحداهما ، وعورض هذا بعدم الفدية بلصق خرقة دون درهم ، وأجيب بأن هذا لعظم النفع به أعطي حكم الكبير ( أو قرطاس بصدغيه ) أو بواحد وظاهره ولو أقل من درهم ، ولعل نكتة ذكره كون حكمه غير مقيد بالكبر لعظم نفعه ( أو ترك ذي ) أي : صاحب ( نفقة ) مضافة لنفقته في منطقته المشدودة على جلده حتى ( ذهب ) بعد فراغ نفقته ولم يردها له عالما بإرادته الذهاب وأبقى المنطقة مشدودة على جلده ، فإن لم يعلم بذهابه فلا فدية عليه . وأفهم كلامه هنا أن عدم إضافتها لنفقته مالا كعدم إضافتها لها ابتداء ( أو ) ترك ( ردها ) أي : نفقة الغير ( له ) وإبقائها على جلده بعد فراغ نفقته وهو حاضر معه فعليه الفدية .




الخدمات العلمية