الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وله ) أي للولي . [ ص: 222 ] ومثله كل من يقدم عليه من باب أولى ( الإذن لغيره فيها ) لأنه حقه فيملك إبطاله ( إلا ) أنه ( إن كان هناك من يساويه فله ) أي لذلك المساوي ولو أصغر سنا ( المنع ) لمشاركته في الحق ، أما البعيد فليس له المنع ( فإن صلى غيره ) أي الولي ( ممن ليس له حق التقديم ) على الولي ( ولم يتابعه ) الولي ( أعاد الولي ) ولو على قبره [ ص: 223 ] إن شاء لأجل حقه لا لإسقاط الفرض ; ولذا قلنا : ليس لمن صلى عليها أن يعيد مع الولي لأن تكرارها غير مشروع ( وإلا ) أي وإن صلى من له حق التقدم كقاض أو نائبه أو إمام الحي أو من ليس له حق التقدم وتابعه الولي ( لا ) يعيد لأنهم أولى بالصلاة منه .

( وإن صلى هو ) أي الولي ( بحق ) بأن لم يحضر من يقدم عليه ( لا يصلي غيره بعده ) وإن حضر من له التقدم لكونها بحق . أما لو صلى الولي بحضرة السلطان مثلا أعاد السلطان كما في المجتبى وغيره وفيه حكم صلاة من لا ولاية له كعدم الصلاة أصلا فيصلي على قبره ما لم يتمزق

التالي السابق


( قوله : ومثله كل من يقدم عليه من باب أولى ) ظاهره أن للسلطان أن يأذن بالصلاة لأجنبي بلا إذن الولي وقد ذكره في الحلية بحثا بناء على أن الحق ثابت للسلطان ونحوه ابتداء ، واستثنى إمام الحي فليس له الإذن لأن تقديمه على الولي مستحب فهو كأكبر الأخوين إذا قدم أجنبيا فللأصغر منعه فكذا للولي . ا هـ .

أقول : وفي كون الحق ثابتا للسلطان ابتداء بحث لما قدمناه عن شرح المنية من أن الحق في الأصل للولي وإنما قدم السلطان في ظاهر الرواية لئلا يزدري به ، وتعظيمه واجب ، وقدم إمام الحي لأن الميت رضيه في حياته ومثله ما في الكافي حيث علل لما يأتي من أن للولي الإعادة إذا صلى غيره بقوله لأن الحق للأولياء لأنهم أقرب الناس إليه وأولاهم به ، غير أن السلطان أو الإمام إنما يقدم بعارض السلطنة والإمامة ا هـ وبهذا تندفع الأولوية فتأمل ( قوله : فيها ) أي في الصلاة على الميت ، وفسر الإذن بتفسير آخر ، وهو أن يأذن للناس في الانصراف بعد الصلاة قبل الدفن لأنه لا ينبغي لهم أن ينصرفوا إلا بإذنه . وذكر الزيلعي معنى آخر ، وهو الإعلام بموته ليصلوا عليه بحر ، لكن يتعين المعنى الأول في عبارة المصنف للاستثناء المذكور ، بخلاف عبارة الكنز والهداية ( قوله : فيملك إبطاله ) أي بتقديم غيره هداية .

فالمراد بالإبطال نقله عنه إلى غيره ( قوله : ولو أصغر سنا ) فلو كانا شقيقين ، فالأسن أولى لكنه لو قدم أحدا فللأصغر منعه ، ولو قدم كل منهما واحدا فمن قدمه الأسن أولى بحر ( قوله أما البعيد فليس له المنع ) فلو كان الأصغر شقيقا ، والأكبر لأب فقدم الأصغر أحدا فليس للأكبر المنع بحر ، وفيه : فإن كان الشقيق غائبا ، وكتب إلى إنسان ليتقدم فللأخ لأب منعه ، والمريض في المصر كالصحيح يقدم من شاء ، وليس للأبعد منعه ( قوله فإن صلى غيره ) الأخصر أن يقول : فإن صلى من ليس له حق التقدم ا هـ ح ( قوله ممن ليس له حق التقدم إلخ ) بيان لغير المضاف إلى ضمير الولي أخرج به السلطان ونحوه وإمام الحي ، فإن صلى أحدهم لم يعد الولي كما يأتي لتقدمهم عليه ( قوله أعاد الولي ) مفهومه أن غير الولي كالسلطان لا يعيد إذا صلى غيره ممن ليس له حق التقدم معه إلا أن يراد بالولي من له حق الصلاة ، وعليه فكان الأولى أن يقول : أعاد من له حق التقدم لكن اختلف فيما إذا صلى الولي فهل لمن قبله كالسلطان حق الإعادة ؟ ففي النهاية والعناية نعم لأن الولي إذا كان له الإعادة إذا صلى غيره مع أنه أدنى فالسلطان والقاضي بالأولى .

وفي السراج والمستصفى لا . ووفق في البحر بحمل الأول على ما إذا تقدم الولي مع وجود السلطان ونحوه ، والثاني على ما إذا لم يوجد . واعترضه في النهر بأن السلطان لا حق له عند عدم حضوره ، فالخلاف عند حضوره ا هـ . والذي يظهر لي ما في السراج والمستصفى لما قدمناه [ ص: 223 ] عن الكافي من أن الحق للأولياء ، وتقديم السلطان ونحوه لعارض ، وأن دعوى الأولوية غير مسلمة ، ونظيره الابن ، فإن الحق له ابتداء ، ولكنه يقدم أباه لحرمة الأبوة . وأما تأييد صاحب البحر ما في النهاية والعناية بما في الفتاوى كالخلاصة والولوالجية وغيرهما ، من أنه لو صلى السلطان أو القاضي أو إمام الحي ولم يتابعه الولي ليس له الإعادة لأنهم أولى منه ا هـ ففيه نظر ; إذ لا يلزم من كونهم أولى منه أن تثبت لهم الإعادة إذا صلى بحضرتهم لأنه صاحب الحق ، وإن ترك واجب احترام السلطان ونحوه .

ويدل على ذلك قول الهداية فإن صلى غير الولي أو السلطان أعاد الولي لأن الحق للأولياء ، وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي بعده ا هـ ونحوه في الكنز وغيره ، فقوله لم يجز لأحد يشمل السلطان . ثم رأيت في غاية البيان قال ما نصه : هذا على سبيل العموم حتى لا تجوز الإعادة لا للسلطان ولا لغيره . ا هـ . وما قيل : إن المراد بالولي من له حق الولاية يبعده عطف السلطان قبله على الولي . ونقل في المعراج عن المجتبى أن للسلطان الإعادة إذا صلى الولي بحضرته ، ثم قال : لكن في المنافع ليس للسلطان الإعادة ، ثم أيد رواية المنافع فراجعه ، وهذا عين ما قلناه ، فاغتنم تحرير هذا المقام والسلام ( قوله إن شاء إلخ ) وأما ما في التقويم من أنه لو صلى غير الولي كانت الصلاة باقية على الولي فضعيف كما في النهر ( قوله ولذا إلخ ) علة لقوله لا لإسقاط الفرض أي فإن الفرض لو لم يسقط بالأولى كان لمن صلى أولا أن يعيد مع الولي .

وبهذا رد في البحر ما في غاية البيان من أن الأولى موقوفة ، فإن أعاد الولي تبين أن الفرض ما صلي وإلا سقط بالأولى ، لكن قال العلامة المقدسي : إن ما في غاية البيان موافق للقواعد لأن التنفل بها غير مشروع عندنا ، ولذلك نظير وهو الجمعة مع الظهر لمن أداه قبلها ا هـ نعم يحتاج إلى الجواب عما قاله في البحر وهو صعب فالأحسن الجواب عما قاله المقدسي بأن إعادة الولي ليست نفلا لأن صلاة غيره ، وإن تأدى بها الفرض ، وهو حق الميت لكنها ناقصة لبقاء حق الولي فيها ، فإذا أعادها وقعت فرضا مكملا للفرض الأول نظير إعادة الصلاة المؤداة بكراهة ، فإن كلا منهما فرض كما حققناه في محله ; وحيث كانت الأولى فرضا فليس لمن صلى أولا أن يعيد مع الولي لأن إعادته تكون نفلا من كل وجه ، بخلاف الولي لأنه صاحب الحق ، هذا ما ظهر لي فتأمله ( قوله : غير مشروع ) أي عندنا . وعند مالك خلافا للشافعي رحمه الله ، والأدلة في المطولات ( قوله : أو إمام الحي ) نص عليه في الخلاصة وغيرها كما قدمناه .

وكذا صرح في المجمع وشرحه بأنه كالسلطان في عدم إعادة الولي ، وبه ظهر ضعف ما في غاية البيان من أن للولي الإعادة لو صلى إمام الحي لا لو صلى السلطان لئلا يزدري به أفاده في البحر ( قوله : لأنهم أولى إلخ ) الأولى أن يقول أيضا ولأن متابعته إذن بالصلاة ليكون علة لقوله أو من ليس له حق التقدم وتابعه الولي ط ( قوله بأن لم يحضر إلخ ) لأنه لا حق للولي عند حضرة السلطان ونحوه ، وقد علمت ما فيه ( قوله وإن حضر ) يعني بعد صلاة الولي وإن وصلية ( قوله أما لو صلى إلخ ) تصريح بمفهوم قوله بأن لم يحضر من يقدم عليه ، وهذا ما وفق به صاحب البحر بين عباراتهم ، قد علمت تحرير المقام آنفا ( قوله وفيه ) أي في المجتبى ، وهذه العبارة عزاها إليه في البحر . لكني لم أجدها فيه [ ص: 224 ] والذي رأيته في المجتبى هكذا : ثم إذا دفن قبل الصلاة وصلى عليه من لا ولاية له يصلى عليه ما لم يتمزق . ا هـ .

والمراد يصلي عليه الولي إن شاء لأجل حقه لا لإسقاط الفرض فلا ينافي ما مر ، وكذا يمكن تأويل قوله كعدم الصلاة كما أفاده ح بأنها بالنسبة إلى من له الولاية كالعدم حتى كان له الإعادة .




الخدمات العلمية