الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو لم يسع الوقت كل الفوائت فالأصح جواز الوقتية مجتبى ، وفيه ظن من عليه العشاء ضيق وقت الفجر فصلاها وفيه سعة يكررها إلى الطلوع وفرضه الأخير [ ص: 68 ] ( أو نسيت الفائتة ) لأنه عذر ( أو فاتت ست اعتقادية ) لدخولها في حد التكرار المقتضي للحرج ( بخروج وقت السادسة ) على الأصح ولو متفرقة [ ص: 69 ] أو قديمة على المعتمد لأنه متى اختلف الترجيح رجح إطلاق المتون بحر ( أو ظن ظنا معتبرا ) أي يسقط لزوم الترتيب أيضا بالظن المعتبر ، كمن صلى الظهر ذاكرا لتركه الفجر فسد ظهره ، فإذا قضى الفجر ثم صلى العصر ذاكرا للظهر جاز العصر ، إذ لا فائتة عليه في ظنه حال أداء العصر ، وهو ظن معتبر لأنه مجتهد فيه .

التالي السابق


( قوله ولو لم يسع الوقت كل الفوائت ) صورته عليه العشاء والوتر مثلا ثم لم يصل الفجر حتى بقي من الوقت ما يسع الوتر مثلا وفرض الصبح فقط ولم يسع الصلوات الثلاث فظاهر كلامهم ترجيح أنه لا تجوز صلاة الصبح ما لم يصل الوتر . وصرح في المجتبى بأن الأصح جواز الوقتية ح عن البحر ، لكن قال الرحمتي : الذي رأيته في المجتبى الأصح أنه لا تجوز الوقتية . ا هـ .

قلت : راجعت المجتبى فرأيت فيه مثل ما عزاه إليه في البحر ، وكذا قال القهستاني جازت الوقتية على الصحيح .

( قوله يكررها إلى الطلوع ) يعني يعيدها ثانيا وثالثا وهكذا إذا كان في كل مرة ظن أن الوقت لا يسعهما ثم ظهر فيه سعة إلى أن يظهر بعد إعادة من الإعادات ضيقة حقيقة فيعيد الوقتية ثم يصلي الفائتة ، وإن ظهر بعد إعادته أنه يسعهما صلى الفائتة ثم الوقتية كما في الفتح .

( قوله أو نسيت الفائتة ) معطوف على قوله ضاق الوقت . وفيه أن فرض [ ص: 68 ] الكلام فيمن تذكر أنه لم يوتر فكان ينبغي للمصنف حذف التذكر .

وحاصله أنه يسقط الترتيب إذا نسي الفائتة وصلى ما هو مرتب عليها من وقتية أو فائتة أخرى وكذا يسقط بنسيان إحدى الوقتيتين ; كما لو صلى الوتر ناسيا أنه لم يصل العشاء ثم صلاها لا يعيد الوتر ، لقولهم إنه لو صلى العشاء بلا وضوء والوتر والسنة به يعيد العشاء والسنة لا الوتر لأنه أداه ناسيا أن العشاء في ذمته فسقط الترتيب أفاده ح .

قلت : ونظيره أيضا ما في البحر عن المحيط : لو صلى العصر ثم تبين له أنه صلى الظهر بلا وضوء يعيد الظهر فقط لأنه بمنزلة الناسي .

( قوله لأنه عذر ) أي لأن النسيان عذر سماوي مسقط للتكليف لأنه ليس في وسعه بحر .

( قوله أو فاتت ست ) يعني لا يلزم الترتيب بين الفائتة والوقتية ولا بين الفوائت إذا كانت الفوائت ستا ، كذا في النهر . أما بين الوقتيتين كالوتر والعشاء فلا يسقط الترتيب بهذا المسقط كما لا يخفى ح . وأطلق الست فشمل ما إذا فاتت حقيقة أو حكما كما في القهستاني والإمداد .

ومثال الحكمية ما إذا ترك فرضا وصلى بعده خمس صلوات ذاكرا له فإن الخمس تفسد فسادا موقوفا كما سيأتي ; فالمتروكة فائتة حقيقة وحكما والخمسة الموقوفة فائتة حكما فقط . وذكر في الفتح والبحر أنه لو ترك ثلاث صلوات مثلا الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم ولا يدري أيتها أولى . قيل يجب الترتيب بين المتروكات ويصليها سبعا ، بأن يصلي الظهر ثم العصر ثم الظهر لاحتمال أن يكون ما صلاه أولا هو الآخر فيعيده ثم يصلي المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر لاحتمال كون المغرب أولا فيعيد ما صلاه أولا . وقيل يسقط الترتيب بينهما فيصلي ثلاثا فقط ، وهو المعتمد لأن إيجاب الترتيب فيها يلزم منه أن تصير الفوائت كسبع معنى أنه يسقط بست فبالسبع أولى ا هـ ملخصا ، وتمامه هناك وللشرنبلالي في هذه المسألة رسالة .

( قوله اعتقادية ) خرج الفرض العملي وهو الوتر ، فإن الترتيب بينه وبين غيره وإن كان فرضا لكنه لا يحسب مع الفوائت . ا هـ . ح أي لأنه لا تحصل به الكثرة المفضية للسقوط لأنه من تمام وظيفة اليوم والليلة ، والكثرة لا تحصل إلا بالزيادة عليها من حيث الأوقات أو من حيث الساعات ، ولا مدخل للوتر في ذلك إمداد .

( قوله لدخولها في حد التكرار إلخ ) لأنه يكون واحد من الفروض مكررا ، فيصلح أن يكون سببا للتخفيف بسقوط الترتيب الواجب بينها أنفسها وبينها وبين أغيارها درر إذ لو وجب الترتيب حينئذ لأفضى إلى الحرج .

( قوله بخروج ) متعلق بفائت .

( قوله على الأصح ) احترز به عما صححه الزيلعي من أن المعتبر كون المتخلل بعد الفائتة ستة أوقات لا ست صلوات ; فلو فاتته صلاة وتذكرها بعد شهر فصلى بعدها وقتية ذاكرا للفائتة أجزأته على اعتبار الأوقات لأن المتخلل بينهما أكثر من ست أوقات ، فسقط الترتيب : أي مع صحة الصلوات التي بينهما لسقوط الترتيب فيها بالنسيان وعلى اعتبار الصلوات لا تجزيه لأن الفائتة واحدة ولا يسقط الترتيب إلا بفوت ست صلوات . وصرح في المحيط بأنه ظاهر الرواية وصححه في الكافي ، وهو الموافق لما في المتون ، وبه اندفع ما صححه الزيلعي وغيره ، وتمامه في البحر ، واحترز به أيضا عما روي عن محمد من اعتبار دخول وقت السادسة ، وعما في المعراج من اعتبار دخول وقت السابعة كما أوضحه في البحر .

( قوله ولو متفرقة ) أي يسقط الترتيب بصيرورة الفوائت ستا ولو كانت متفرقة ; [ ص: 69 ] كما لو ترك صلاة صبح مثلا من ستة أيام وصلى ما بينها ناسيا للفوائت .

( قوله أو قديمة على المعتمد إلخ ) كما لو ترك صلاة شهر نسقا ثم أقبل على الصلاة ثم ترك فائتة حادثة ، فإن الوقتية جائزة مع تذكر الفائتة الحادثة لانضمامها إلى الفوائت القديمة وهي كثيرة فلم يجب الترتيب . وقال بعضهم : إن المسقط الفوائت الحديثة لا القديمة ، ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن التهاون بالصلوات ، فلا تجوز الوقتية مع تذكرها وصححه الصدر الشهيد . وفي التجنيس : وعليه الفتوى . وذكر في المجتبى أن الأول أصح ، وفي الكافي والمعراج : وعليه الفتوى ; فقد اختلف التصحيح والفتوى كما رأيت ، والعمل بما وافق إطلاق المتون أولى بحر ( قوله أو ظن ظنا معتبرا إلخ ) هذا مسقط رابع ذكره الزيلعي وجزم به في الدرر ، وجعله في البحر ملحقا بالنسيان وقال إنه ليس مسقطا رابعا كما يتوهم ، ثم قال : وذكر شارحو الهداية أن فساد الصلاة إن كان قويا كعدم الطهارة استتبع الصلاة التي بعده وإن كان ضعيفا كعدم الترتيب فلا ، وفرعوا عليه فرعين .

أحدهما : لو صلى الظهر بلا طهارة ثم صلى العصر ذاكرا لها أعاد العصر لأن فساد الظهر قوي فأوجب فساد العصر وإن ظن عدم وجوب الترتيب .

ثانيهما : لو صلى هذه الظهر بعد هذه العصر ولم يعد العصر حتى صلى المغرب ذاكرا لها فالمغرب صحيحة إذا ظن عدم وجوب الترتيب لأن فساد العصر ضعيف لقول بعض الأئمة بعدمه فلا يستتبع فساد المغرب . وذكر له الإسبيجابي أصلا وهو أنه يلزمه إعادة ما صلاه ذاكرا للفائتة إن كانت الفائتة تجب إعادتها بالإجماع ، وإلا فلا إن كان يرى أن ذلك يجزيه . ا هـ . قال في الفتح : ويؤخذ من هذا أن مجرد كون المحل مجتهدا فيه لا يستلزم اعتبار الظن فيه من الجاهل ، بل إن كان المجتهد فيه ابتداء لا يعتبر الظن ، وإن كان مما يبتنى على المجتهد فيه ويستتبعه اعتبر ذلك الظن لزيادة الضعف ، ففساد العصر هو المجتهد فيه ابتداء ، وفساد المغرب بسبب ذلك فاعتبر ا هـ أي اعتبر فيه الظن من الجاهل . وفيه تصريح بأن محل اعتبار هذا الظن وعدمه في الجاهل لا العالم بوجوب الترتيب ، وتمامه في النهر .

هذا ، وقد اعترض في البحر ما مر من الفرعين بأن المصلي لا يخلو إما أن يكون حنفيا فلا عبرة برأيه المخالف لمذهب إمامه فيلزمه المغرب أيضا أو شافعيا فلا يلزمه العصر أيضا ، أو عاميا فلا مذهب له بل مذهبه مذهب مفتيه فإن استفتى حنفيا أعادهما أو شافعيا لا يعيدهما ، وإن لم يستفت أحدا وصادف الصحة على مذهب مجتهد لا إعادة عليه ا هـ ولا يخفى أنه بحث في المنقول ، فإن ما مر عن شروح الهداية من حكم الفرعين مذكور أيضا في شرح الجامع الصغير للإمام قاضي خان . وذكر في الذخيرة أنه مروي عن محمد ، وعزاه في التتارخانية إلى الأصل ، وقد تبع الشرنبلالي صاحب البحر ، لكن قال : إن موضوع المسألة في عامي لم يقلد مجتهدا ولم يستفت فقيها ، فصلاته صحيحة لمصادفتها مجتهدا فيه ; أما لو كان حنفيا فلا عبرة بظنه المخالف لمذهب إمامه إلخ . وفيه نظر ، إذ لا فرق حينئذ بين العصر والمغرب لمصادفة كل منهما الصحة على مذهب الشافعي ، بل هو محمول على عامي استفتى حنفيا أو التزم التعبد على مذهب أبي حنيفة معتقدا صحته وقد جهل هذا الحكم ثم علم ذلك ، ولذا قال في النهر ما معناه : إن قول البحر لا عبرة برأيه المخالف إلخ ممنوع لأن إمامه قد اعتبر رأيه وأسقط عنه الترتيب بظنه عدم وجوبه ، فإذا كان جاهلا ذلك ثم علم لا يلزمه إعادة المغرب ; ولو استفتى حنفيا فأفتاه بالإعادة لم تصح فتواه ا هـ .

( قوله جاز العصر ) أي إن كان يظن أنه يجزيه كما مر ، وأطلقه لعلمه من التعليل بعده ( قوله لأنه ) أي جواز العصر مجتهد فيه [ ص: 70 ] أي يبتنى على المجتهد فيه ابتداء ، وهو جواز الظهر عند الشافعي كما مر تقريره عن الفتح




الخدمات العلمية