الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما: هي منسوخة بالأمر بالقتال، وبقتلهم حيث ثقفوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ : قال قتادة: المعنى: ما كان له ذلك في عهد الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ما كان له فيما سلف، كما ليس له الآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (إلا خطأ) : استثناء منقطع; أي: ما كان له أن يقتله ألبتة، لكن إن قتله خطأ، فعليه كذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي حين قتل الحارث بن زيد العامري خطأ، عن مجاهد، وعكرمة، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 309 ] ابن زيد : نزلت في أبي الدرداء حين قتل الراعي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فتحرير رقبة مؤمنة : لا يجزئ في قول كافة العلماء في الرقبة التي ذكرها الله ههنا: أعمى، ولا مقعد، ولا مقطوع اليدين أو الرجلين، ولا أشلهما، ويجزئ عند أكثرهم: الأعرج، والأعور، مالك: إلا أن يكون عرجا شديدا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجزئ عند مالك ، والشافعي، وأكثر العلماء: أقطع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين، ويجزئ عند أبي حنيفة ، وأصحابه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجزئ عند أكثرهم: المجنون المطبق، [ولا يجزئ عند مالك : الذي يجن ويفيق، و يجزئ عند الشافعي].

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجزئ عند مالك المعتق إلى سنين، و يجزئ عند الشافعي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ودية مسلمة إلى أهله أي: إلى أهل القتيل، يؤديها عاقلة القاتل، [ ص: 310 ] وقد بسطنا ذلك في "الكبير"، وذكرنا مقادير الديات، وغير ذلك من أحكام الجنايات والجراحات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة يعني: الرجل المؤمن يقتل وقومه كفار، لا مؤمن فيهم يستحق ديته; فلا دية على قاتله، وعليه عتق رقبة، روي معناه عن ابن عباس ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كان الرجل يسلم ويبقى مع قومه; فيقتل في الحرب، فنزلت الآية في ذلك، روي معناه عن مالك ، وغيره، وإنما يكون ذلك على هذا القول: إذا قتل في دار الحرب، وسواء -على قول ابن عباس - قتل في دار الحرب أو في دار المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة يريد: إن كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد، فادفعوا إليهم الدية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مالك: هو المؤمن من قوم معاهدين، وقيل : هو الكافر من المعاهدين إذا عوهدوا على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن كان كتابيا; فديته عند مالك وغيره: نصف دية المسلم، وعند الشافعي، وأبي ثور، وغيرهما : ثلث دية المسلم، وعند أبي حنيفة ، وأصحابه ، وغيرهم: ديته كدية المسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 311 ] ودية المجوسي عند مالك ، والشافعي، وغيرهما: ثمان مئة درهم، وعند أبي حنيفة ، وأصحابه : مثل دية المسلم، وعن عمر بن عبد العزيز : نصف دية المسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وديات نساء الكفار: نصف ديات رجالهم; كالحكم في نساء المسلمين.

                                                                                                                                                                                                                                      فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين يعني: بدلا من الرقبة

                                                                                                                                                                                                                                      الواجبة عند عدمها، وليس فيه إطعام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال كثير من العلماء: إن المعنى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، مستحلا لقتله، لا يراه حراما; فهو إذا فعل ذلك كافر بإجماع، وكذلك كل من أحل حراما ، أو حرم حلالا على سبيل الاعتقاد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فجزاؤه جهنم إن جازاه، ويجوز ألا يجازيه، ويدل على ذلك: أن الله ـ عز وجل ـ ذكر قتل النفس في جملة ما ذكره في (الفرقان) ، [68] ، ثم استثنى في الجميع التوبة، وقال: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، [ ص: 312 ] وقد جاءت في هذا أخبار; منها: ما روي عن ابن عباس أنه قال: التي في (الفرقان) [68] نزلت في أهل الشرك، وعن زيد بن ثابت: نزلت (النساء) بعد (الفرقان) بستة أشهر، وعنه: نزلت: ومن يقتل مؤمنا متعمدا بعد: إن الله لا يغفر أن يشرك به بأربعة أشهر، وكان ابن عباس و ابن زيد لا يريان للقاتل عمدا توبة، وكان علي بن أبي طالب، وابن عمر، وغيرهما من السلف: يرون له التوبة ، وكان ابن شهاب إذا سأله سائل عن ذلك، قال له: أقتلت؟ فإن قال: لا، قال: لا توبة للقاتل عمدا، وإن قال: نعم; قال: له توبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن هذه الآية نزلت في رجل بعينه ، أسلم، ثم ارتد وقتل مؤمنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في رجل من الأنصار، قتل له ولي، فقبل الدية، ثم وثب على قاتله فقتله، وارتد، قاله ابن جريج، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 313 ] قال الطبري : جزاؤه جهنم حقا، ولكن الله يعفو ويتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله; فلا يجازيهم بالخلود فيها، إما أن يعفو فلا يدخلهم، وإما أن يدخلهم ثم يخرجهم بفضل رحمته; لقوله: إن الله يغفر الذنوب جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقتل العمد يكون عند مالك بحجر، أو عصا، أو حديد، وقال غيره :

                                                                                                                                                                                                                                      لا يكون إلا بحديد.

                                                                                                                                                                                                                                      وأثبت الشافعي وغيره شبه العمد; وهو الضرب بخشبة ضخمة، أو حجر، ولم يره مالك; إذ لا نص فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : نزلت في قوم من المسلمين، مروا براع، فقال: سلام عليكم، فقالوا: إنما تعوذ، فقتلوه، قال ابن عباس ، وقتادة، وغيرهما: كان من غطفان، واسمه مرداس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 314 ] ابن عمر: هو عامر بن الأضبط.

                                                                                                                                                                                                                                      [قال سعيد بن جبير]: والقاتل: المقداد ابن الأسود، وقال ابن زيد : أبو الدرداء، وقال ابن عمر: محلم بن جثامة بن قيس الليثي، وقال السدي: أسامة بن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الخبر: أن الذي قتله دفن، فلفظته الأرض ثلاث مرات، فأمر به النبي

                                                                                                                                                                                                                                      صلى الله عليه وسلم، فألقي في غار، وقال: إن الأرض تقبل من هو شر منه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية