الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      معنى وحاجه قومه : حاجوه في توحيد الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا أخاف ما تشركون به يعني: ما عبدوه من الأصنام، إلا أن يشاء ربي شيئا [ ص: 620 ] ; أي: إلا أن يشاء ربي أن يلحقني بشيء من المكروه، فتتم مشيئته، و (الهاء) في (به) من قوله: (ما تشركون به): يجوز أن تكون لله عز وجل، ويجوز أن تكون للمعبود) من دونه.

                                                                                                                                                                                                                                      وسع ربي كل شيء علما ; أي: وسع علمه كل شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وكيف أخاف ما أشركتم : معنى: (كيف) الإنكار، أنكر عليهم تخويفهم إياه بالأصنام، وهم لا يخافون الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      و(السلطان) ههنا: الحجة.

                                                                                                                                                                                                                                      فأي الفريقين أحق بالأمن ; أي: بالأمن من العذاب; يعني: أمن وحد الله، أم من أشرك به؟

                                                                                                                                                                                                                                      الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم : قيل: هو من قول إبراهيم، متصلا بما قبله، وقيل: هو من قول الله تعالى مستأنفا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جريج: هو جواب قومه، أتوا حين سألهم بالحجة على أنفسهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى( لم يلبسوا إيمانهم بظلم): لم يخلطوه بشرك.

                                                                                                                                                                                                                                      وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه يعني: ما تقدم من قوله لهم:

                                                                                                                                                                                                                                      وكيف أخاف ما أشركتم الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 621 ] وقيل: حجته عليهم: أنهم لما قالوا له: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها; قال لهم: أفلا تخافون أنتم منها إذ سويتم بين الصغير والكبير أن تخبلكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ووهبنا له إسحاق ويعقوب : (الهاء) في (له) لإبراهيم، و (الهاء) في قوله: ومن ذريته داود وسليمان : قيل: هي لنوح; أي: ومن ذرية نوح هدينا داود وسليمان، قاله الفراء، وغيره، واختاره الطبري، وقيل: هي لإبراهيم، أجازه الزجاج وغيره، والأول أشبه; لأن في جملة الأسماء المعطوفة لوطا، ولوط إنما كان من ذرية نوح، وهو ابن أخي إبراهيم، وقيل: ابن أخته.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف في إلياس; فقيل: هو من ذرية هارون أخي موسى، بينه وبينه ثلاثة آباء، وقيل: هو إدريس جد نوح، بينهما أربعة آباء، روي ذلك عن ابن مسعود، [ ص: 622 ] وفيه بعد; لأنه قد نسب إلى نوح، وجعل من ذريته.

                                                                                                                                                                                                                                      واليسع : قال زيد بن أسلم: هو يوشع بن نون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن آبائهم يعني: أنه هدى منهم بعضهم; فـ (من): للتبعيض.

                                                                                                                                                                                                                                      واجتبيناهم ; أي: اصطفيناهم، مأخوذ من (جبيت الماء في الحوض); إذا جمعته، فالاجتباء: ضم الذي تجتبيه إلى خاصتك.

                                                                                                                                                                                                                                      . وقوله: فإن يكفر بها هؤلاء : الضمير في (بها): للأشياء التي ذكر أنه أعطاها الأنبياء، و (هؤلاء) يعني به: أهل مكة.

                                                                                                                                                                                                                                      فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين يعني: النبيين المتقدمين، قاله الحسن وقتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو رجاء: وكلنا بها الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس، والضحاك، وغيرهما: فإن يكفر بها أهل مكة; فقد وكلنا بها أهل المدينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وكلنا بها كل مؤمن.

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك الذين هدى الله : الإشارة إلى النبيين المتقدم ذكرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى فبهداهم اقتده : التوحيد، والشرائع مختلفة، وقد احتج بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اتباع شرائع الأنبياء فيما عدم فيه النص.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 623 ] وما قدروا الله حق قدره : قال ابن عباس: ما آمنوا أنه على كل شيء قدير.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: ما عظموه حق عظمته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ما عرفوه حق معرفته.

                                                                                                                                                                                                                                      إذ قالوا ما أنـزل الله على بشر من شيء : قال ابن عباس، وغيره: يعني: مشركي قريش.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن، وسعيد بن جبير: الذي قاله أحد اليهود، قال: لم ينزل الله كتابا من السماء، السدي: اسمه فنحاص.

                                                                                                                                                                                                                                      تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا : هذا لليهود الذين أخفوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنها نزلت في مالك بن الصيف، وكان من أحبار اليهود، وكان يظهر العبادة، ويتنعم سرا، فقيل له: إن في التوراة «إن الله لا يحب الحبر السمين»، فقال: ما أنزل الله على بشر من شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد: قوله: قل من أنـزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا : خطاب لمشركي العرب، وقوله: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا : لليهود، وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم : للمسلمين، وهذا يصح على قراءة من قرأ: (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا); بالياء، والوجه على قراءة التاء أن يكون كله لليهود.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 624 ] ومعنى (ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) على هذا: علمتم، فلم يكن لكم ولا لآبائكم علم; لتضييعكم إياه، أو يكون المعنى: علمتم ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم، على وجه المن عليهم بإنزال التوراة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (قل الله); أي: قل: الله أنزل الكتاب، أو: قل: الله علمكم الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذرهم في خوضهم يلعبون : تهدد، وقيل: هو من المنسوخ بالقتال.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا كتاب أنـزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه يعني: مصدق الذي قبله من الكتب المتقدمة، وقيل: مصدق الذي بين يديه من النشأة الثانية.

                                                                                                                                                                                                                                      ولتنذر أم القرى ومن حولها يعني: أهل أم القرى; وهي مكة، سميت أم القرى; لأن الأرض دحيت من تحتها، وقيل: لأنها مقصد الخلق، وقيل: لأنها أول بيت وضع للناس، (ومن حولها): الأرض كلها، عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به : (الهاء) في (به) للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: للقرآن، وإيمان من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم غير معتد به.

                                                                                                                                                                                                                                      وهم على صلاتهم يحافظون ; أي: يتمونها بما يجب فيها; من المفروضات، والمسنونات، والمحافظة على الأوقات.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء يعني: مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قال سأنـزل مثل ما أنـزل الله : معطوف على (ومن أظلم)، والمراد: [ ص: 625 ] عبد الله بن سعد بن أبي سرح، الذي كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد، ولحق بالمشركين، وقال: سأنزل مثل ما أنزل الله، وسبب قوله ذلك - فيما روي -: أنه لما كتب: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين [المؤمنون:12] إلى آخر القصة حين نزولها; قال: (فتبارك الله أحسن الخالقين); اتفاقا، من قبل أن يأمره بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبها; فكذلك أنزلت»; فارتد، وقال ما أخبر الله به عنه، وقيل: إن الآية كلها في ابن أبي سرح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في النضر بن الحارث; لأنه عارض القرآن، وهو القائل- فيما روي -: (والزارعات زرعا)، وقد ذكرنا ذلك في «الكبير».

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية