الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 270 ] ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل ذات اليمين إلى الحديبية . قال الشافعي : بعضها من الحل وبعضها من الحرم .

وروى الإمام أحمد في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يصلي في الحرم ، وهو مضطرب في الحل ) ، وفي هذا كالدلالة على أن مضاعفة الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم ، لا يخص بها المسجد الذي هو مكان الطواف ، وأن قوله : ( صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي ) ، كقوله تعالى : ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) [ التوبة : 28 ] وقوله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) [ الإسراء : 1 ] وكان الإسراء من بيت أم هانئ .

ومنها : أن من نزل قريبا من مكة فإنه ينبغي له أن ينزل في الحل ، ويصلي في الحرم ، وكذلك كان ابن عمر يصنع .

ومنها : جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو ، إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه ، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم .

وفي قيام المغيرة بن شعبة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف - ولم يكن عادته أن يقام على رأسه وهو قاعد - سنة يقتدى بها عند قدوم رسل العدو من إظهار العز والفخر وتعظيم الإمام وطاعته ووقايته بالنفوس ، وهذه هي العادة الجارية عند قدوم رسل المؤمنين على الكافرين ، وقدوم رسل الكافرين على المؤمنين ، وليس هذا من هذا النوع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( من أحب أن يتمثل له الرجال قياما ، فليتبوأ مقعده من النار ) كما أن الفخر والخيلاء في الحرب [ ص: 271 ] ليسا من هذا النوع المذموم في غيره ، وفي بعث البدن في وجه الرسول الآخر دليل على استحباب إظهار شعائر الإسلام لرسل الكفار .

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة : ( أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء ) دليل على أن مال المشرك المعاهد معصوم ، وأنه لا يملك بل يرد عليه ؛ فإن المغيرة كان قد صحبهم على الأمان ثم غدر بهم وأخذ أموالهم ، فلم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لأموالهم ولا ذب عنها ، ولا ضمنها لهم ؛ لأن ذلك كان قبل إسلام المغيرة .

وفي قول الصديق لعروة : امصص بظر اللات . دليل على جواز التصريح باسم العورة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال ، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرح لمن ادعى دعوى الجاهلية بهن أبيه ، ويقال له : اعضض أير أبيك ، ولا يكنى له ، فلكل مقام مقال .

ومنها : احتمال قلة أدب رسول الكفار وجهله وجفوته ، ولا يقابل على ذلك ؛ لما فيه من المصلحة العامة ، ولم يقابل النبي صلى الله عليه وسلم عروة على أخذه بلحيته وقت خطابه ، وإن كانت تلك عادة العرب ، لكن الوقار والتعظيم خلاف ذلك .

وكذلك لم يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولي مسيلمة حين قالا : نشهد أنه رسول الله وقال : ( لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما )

ومنها : طهارة النخامة سواء كانت من رأس أو صدر .

ومنها : طهارة الماء المستعمل .

ومنها : استحباب التفاؤل ، وأنه ليس من الطيرة المكروهة ؛ لقوله لما جاء سهيل " سهل أمركم " .

[ ص: 272 ] ومنها : أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه أغنى ذلك عن ذكر الجد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على محمد بن عبد الله ، وقنع من سهيل بذكر اسمه واسم أبيه خاصة ، واشتراط ذكر الجد لا أصل له ، ولما اشترى العداء بن خالد منه صلى الله عليه وسلم الغلام ، فكتب له : ( هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة ) ، فذكر جده ، فهو زيادة بيان تدل على أنه جائز لا بأس به ، ولا تدل على اشتراطه ، ولما لم يكن في الشهرة بحيث يكتفى باسمه واسم أبيه ذكر جده ، فيشترط ذكر الجد عند الاشتراك في الاسم واسم الأب ، وعند عدم الاشتراك اكتفي بذكر الاسم واسم الأب . والله أعلم .

ومنها : أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ، ودفع ما هو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما .

ومنها : أن من حلف على فعل شيء أو نذره أو وعد غيره به ، ولم يعين وقتا ، لا بلفظه ولا بنيته ، لم يكن على الفور ، بل على التراخي .

ومنها : أن الحلاق نسك ، وأنه أفضل من التقصير ، وأنه نسك في العمرة كما هو نسك في الحج ، وأنه نسك في عمرة المحصور كما هو نسك في عمرة غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية