الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ، وكذا بيع الثمر ، والزرع قبل ظهوره ; لأنهما معدوم ، وإن كان بعد الطلوع جاز ، وإن كان قبل بدو صلاحهما إذا لم يشترط الترك ، ومن مشايخنا من قال : لا يجوز [ ص: 139 ] إلا إذا صار بحال ينتفع به بوجه من الوجوه فإن كان بحيث لا ينتفع به أصلا لا ينعقد .

                                                                                                                                واحتجوا بما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه { نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها } ، ولأنه إذا لم يبد صلاحها لم تكن منتفعا بها فلا تكون مالا فلا يجوز بيعها ، وهذا خلاف الرواية فإن محمدا ذكر في كتاب الزكاة في باب العشر أنه لو باع الثمار في أول ما تطلع ، وتركها بأمر البائع حتى أدركت فالعشر على المشتري ، ولو لم يجز بيعها حين ما طلعت لما وجب عشرها على المشتري ، والدليل على جواز بيعه ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { من باع نخلا مؤبرة فثمرته للبائع إلا أن يشترطها المبتاع } جعل الثمرة للمشتري بالشرط من غير فصل بين ما إذا بدا صلاحها أو لا ، دل أنها محل البيع كيف ما كان ، والمعنى فيه ، وهو أنه باع ثمرة موجودة ، وهي بعرض أن تصير منتفعا بها في الثاني ، وإن لم يكن منتفعا بها في الحال فيجوز بيعها كبيع جرو الكلب على أصلنا ، وبيع المهر ، والجحش ، والأرض السبخة ، والنهي محمول على بيع الثمار مدركة قبل إدراكها بأن باعها ثمرا ، وهي بسر أو باعها عنبا ، وهي حصرم دليل صحة هذا التأويل قوله عليه الصلاة والسلام في سياق الحديث { : أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال صاحبه ؟ } ولفظة المنع تقتضي أن لا يكون ما ، وقع عليه البيع موجودا ; لأن المنع منع الوجود ، وما يوجد من الزرع بعضه بعد بعض كالبطيخ ، والباذنجان فيجوز بيع ما ظهر منه ، ولا يجوز بيع ما لم يظهر ، وهذا قول عامة العلماء رضي الله عنهم .

                                                                                                                                وقال مالك - رحمه الله - إذا ظهر فيه الخارج الأول يجوز بيعه ; لأن فيه ضرورة ; لأنه لا يظهر الكل دفعة ، واحدة بل على التعاقب بعضها بعد بعض فلو لم يجز بيع الكل عند ظهور البعض لوقع الناس في الحرج .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن ما لم يظهر منه معدوم فلا يحتمل البيع ، ودعوى الضرورة ، والحرج ممنوعة فإنه يمكنه أن يبيع الأصل بما فيه من الثمر ، وما يحدث منه بعد ذلك يكون ملك المشتري .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية