الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو تعيب المبيع في يد البائع ، فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المبيع لا يبطل البيع ، وهو على خياره ; لأن ما انتقص منه من غير فعله ، فهو غير مضمون عليه حيث لا يسقط بحصته شيء من الثمن ، فلا ينفسخ البيع في قدر الضمان بإبقاء الخيار ; لأنه يؤدي إلى تفريق الصفقة على المشتري ، فإن شاء فسخ البيع ، وإن شاء أجازه ، فإن أجازه ، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن ، وإن شاء ترك لتغير المبيع قبل القبض ، وإن كان بفعل البائع بطل البيع ; لأن ما انتقص بفعله ، فهو مضمون عليه حتى يسقط عن المشتري حصة قدر النقصان من الثمن ، فالإجازة تتضمن تفريق الصفقة على المشتري قبل التمام ، وإن كان بفعل أجنبي لم يبطل البيع ، وهو على خياره ; لأن قدر النقصان هلك إلى خلف ، وهو الضمان ، فكان قائما معنى ، ولم يبطل البيع في قدر الهالك .

                                                                                                                                فكان البائع على خياره إن شاء ; فسخ البيع ، واتبع الجاني بالأرش ، وإن شاء ; أجاز ، واتبع المشتري بالثمن ، والمشتري يتبع الجاني بالأرش ، وكذلك لو تعيب بفعل المشتري لا يبطل البيع ، والبائع [ ص: 273 ] على خياره ; لأن المبيع على ملك البائع ، فكان قدر النقصان مضمونا على المشتري ، فكان هلاكا إلى خلف ، فكان البيع على حاله ، والبائع على خياره إن شاء ; فسخ البيع ، واتبع المشتري بالضمان ، وإن شاء ; أجازه ، واتبع المشتري بالثمن ، وكذلك إذا تعيب في يد المشتري بفعل أجنبي أو بفعل المشتري أو بآفة سماوية .

                                                                                                                                فالبائع على خياره ، فإن شاء ; أجاز البيع ، وإن شاء فسخه ، فإن أجاز ; أخذ من المشتري جميع الثمن سواء كان التعيب بفعل المشتري أو بفعل الأجنبي أو بآفة سماوية ; لأن البيع جاز في الكل ، ولا يكون للمشتري خيار الرد بحدوث التغير في المبيع ; لأنه حدث في يده في ضمانه غير أنه إن كان التعيب بفعل المشتري ، فلا سبيل له على أحد ، وإن كان بفعل الأجنبي ، فللمشتري أن يتبع الجاني بالأرش ; لأنه ملك العبد بإجازة البائع من وقت البيع ، فتبين أن الجناية حصلت على ملكه ، وإن فسخ ينظر إن كان التعيب بفعل المشتري ، فإن البائع يأخذ الباقي ، ويأخذ أرش الجناية من المشتري ; لأن العبد كان مضمونا على المشتري بالقيمة ألا ترى أنه لو هلك في يده لزمته قيمته ، وبالفسخ وجب عليه رده ، وقد عجز عن رد قدر الفائت ، فيلزمه رد قيمته .

                                                                                                                                وكذا إذا تعيب بآفة سماوية لما قلنا ، وإن كان التعيب بفعل أجنبي ، فالبائع بالخيار إن شاء ; اتبع الأجنبي بالأرش ; لأن الجناية حصلت على ملكه ، وإن شاء ; اتبع المشتري ; لأن الجناية حصلت في ضمان المشتري ، فإن اختار اتباع الأجنبي ; فالأجنبي لا يرجع على أحد ; لأنه ضمن بفعل نفسه ، وإن اختار اتباع المشتري ، فالمشتري يرجع بما ضمن من الأرش على الأجنبي ; لأن المشتري قام مقام البائع في حق ملك بدل الفائت ، وإن لم يقم مقامه في حق ملك نفس الفائت كغاصب المدبر إذا قتل المدبر في يده ، وضمنه للمالك أن له أن يرجع بما ضمن على القاتل ، وإن لم يملك نفس المدبر كذا هذا والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية