الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وعلى ذلك يخرج ما إذا اشترى مغيبا في الأرض كالجزر والبصل والثوم والسلق والفجل ونحوها من المغيبات في الأرض فقلع بعضه ورضي بالمقلوع أنه لا يسقط خياره عند [ ص: 298 ] أبي حنيفة حتى إنه إذا قلع الباقي كان على خياره إن شاء رد وإن شاء أمسك الكل ، وقال أبو يوسف ، ومحمد : إذا قلع شيئا مما يستدل به على الباقي في عظمه ، ورضي به المشتري فهو لازم ( وجه ) قولهما أنه إذا قلع ما يستدل به على الباقي كان رؤية بعضه كرؤية كله فكأنه قلع الكل ، ورضي به كما إذا اشترى صبرة فرأى ظاهرها ، يسقط خياره كذا هذا .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة أن هذه المغيبات مما تختلف بالصغر والكبر والجودة والرداءة اختلافا فاحشا فرؤية البعض منها لا تفيد العلم بحال البقية فأشبه الثياب وسائر العدديات المتفاوتة ، ولو قطع المشتري الكل بغير إذن البائع سقط خياره ; لأنه نقص المعقود عليه بالقلع ; لأنه كان ينمو في الأرض ويزيد ، ولا يتسارع إليه الفساد وبعد القلع لا ينمو ، ويتسارع إليه الفساد ، وانتقاص المعقود عليه في يد المشتري بغير صنعه يسقط الخيار ، ويلزم البيع فبصنعه أولى ، وكذا إذا قلع بعضه بغير إذنه ; لأنه نقص بعض المبيع ، وانتقاص بعض المبيع بنفسه يمنع رد الباقي فبصنعه أولى ، وإن قلع كله بإذن البائع أو بعضه أو قلع الباقي بنفسه لم يذكر الكرخي هذا الفصل .

                                                                                                                                وينبغي أن لا يختلف الجواب فيه على قياس قول أبي حنيفة ، ومحمد كما في البيع بشرط الخيار للمشتري إذا انتقص المبيع بفعل البائع ، أنه يسقط خيار المشتري عندهما ، وهو قول أبي يوسف الأول ، وفي قوله الآخر لا يسقط ، وروى بشر عن أبي يوسف أن المشتري إذا قلع البعض بإذن البائع أو قلع البائع بعضه أنه ينظر إن كان المغيب مما يباع بالكيل أو الوزن بعد القلع فقلع قدر ما يدخل تحت الكيل أو الوزن ، ورضي به يلزم البيع ، ويسقط خياره ; لأن الرضا ببعض المكيل بعد رؤيته رضا بالكل ; لأن رؤية بعضه تعرف حال الباقي إلا إذا كان المقلوع قليلا لا يدخل تحت الكيل فلا يسقط خياره ; لأن قلعه والترك بمنزلة واحدة ، فكأنه لم يقلع منه شيئا ، وإن كان مما يباع عددا كالسلق ، والفجل ، ونحوها فقلع بعضا منه فهو على خياره ; لأن رؤية البعض منه لا تفيد العلم بحال الباقي للتفاوت الفاحش بين الصغير والكبير من هذا الجنس فلا يحصل المقصود برؤية البعض ، فيبقى على خياره .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف : إذا اختلف البائع والمشتري في القلع ، فقال المشتري : إني أخاف إن قلعته لا يصلح لي ولا أقدر على الرد ، وقال البائع : إني أخاف إن قلعته لا ترضى به فمن تطوع منهما بالقلع جاز ، وإن تشاحا على ذلك فسخ القاضي العقد بينهما ; لأنهما إذا تشاحا فلا سبيل إلى الإجبار لما في الإجبار من الإضرار فتعذر التسليم فلم يكن في بقاء العقد فائدة فيفسخ ، والله - عز وجل - أعلم هذا الذي ذكرنا بيان ما يسقط به الخيار بعد ثبوته في حق البصير .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية