الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) عدم الرؤية فإن اشتراه وهو يراه فلا خيار له ; لأن الأصل هو لزوم العقد وانبرامه ; لأن ركن العقد وجد مطلقا عن شرط إلا أنا عرفنا ثبوت الخيار شرعا بالنص ، والنص ورد بالخيار فيما لم يره المشتري لقوله صلى الله عليه وسلم { من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه } ، فبقي الخيار عند الرؤية مبقيا على الأصل وإن كان المشتري لم يره وقت الشراء ، ولكن كان قد رآه قبل ذلك نظر في ذلك إن كان المبيع وقت الشراء على حاله التي كان عليها لم تتغير - فلا خيار له ; لأن الخيار ثبت معدولا به عن الأصل بالنص الوارد في شراء ما لم يره [ ص: 293 ] وهذا قد اشترى شيئا قد رآه فلا يثبت له الخيار ، وإن كان قد تغير عن حاله فله الخيار ; لأنه إذا تغير عن حاله فقد صار شيئا آخر فكان مشتريا شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه .

                                                                                                                                ولو اختلفا في التغير وعدمه فقال البائع : لم يتغير ، وقال المشتري : قد تغير ، فالقول قول البائع ; لأن الأصل عدم التغير والتغير عارض فكان البائع متمسكا بالأصل والمشتري مدعيا أمرا عارضا ، فكان القول قول البائع لكن مع يمينه ; لأن حق الرد أمر يجري فيه البدل والإقرار فيجري فيه الاستحلاف ولأن المشتري بدعوى التغير يدعي حق الرد والبائع ينكر فكان القول قول المنكر ولو اختلفا فقال البائع للمشتري : رأيته وقت الشراء وقال المشتري : لم أره ، فالقول قول المشتري ; لأن عدم الرؤية أصل والرؤية عارض فكان الظاهر شاهدا للمشتري فكان القول قوله مع يمينه ; ولأن البائع بدعوى الرؤية يدعي عليه إلزام العقد والمشتري ينكر فكان القول قوله .

                                                                                                                                ولو أراد المشتري الرد فاختلفا فقال البائع : ليس هذا الذي بعتك ، وقال المشتري : هو ذاك بعينه فالقول قوله أنه بعينه ، وكذلك هذا في خيار الشرط بخلاف خيار العيب فإن القول قول البائع ( ووجه ) الفرق أن المشتري في خيار الرؤية والشرط بقوله : هذا مالك ، لا يدعي ثبوت حق الرد عليه ; لأن حق الرد ثابت له حتى يرد عليه من غير قضاء ولا رضا ، ولكنه يدعي أن هذا الذي قبضه منه ، فكان اختلافهما في الحقيقة راجعا إلى المقبوض ، والاختلاف متى وقع في تعيين نفس المقبوض فإن القول فيه قول القابض ، وإن كان قبضه بغير حق كقبض الغصب ففي القبض الحق أولى ، بخلاف العيب ; لأن المشتري لا ينفرد بالرد في خيار العيب ، ألا ترى أنه لا يملك الرد إلا بقضاء القاضي أو التراضي ؟ فكان هو بقوله : هذا مالك بعينه ، مدعيا حق الرد في هذا المعين ، والبائع ينكر ثبوت حق الرد فيه فكان القول قوله .

                                                                                                                                هذا إذا كان المشتري بصيرا ، فأما إذا كان أعمى فشرط ثبوت الخيار له عدم الحبس فيما يحبس والذوق فيما يذاق والشم فيما يشم والوصف فيما يوصف وقت الشراء ; لأن هذه الأشياء في حقه بمنزلة الرؤية في حق البصير ، فكان انعدامها شرطا لثبوت الخيار له ، فإن وجد شيء منه وقت الشراء فاشتراه فلا خيار له ، وكذا إذا وجدت قبل القبض ثم قبض فلا خيار له ; لأن وجود شيء من ذلك عند القبض في حقه بمنزلة وجوده عند العقد كالرؤية في حق البصير بأن رآه قبل القبض ثم قبضه ; لأن كل ذلك دلالة الرضا بلزوم العقد على ما نذكره إن شاء الله تعالى هذا الذي ذكرنا إذا رأى المشتري كل المبيع وقت الشراء .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية