الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وعلى هذا يخرج ما إذا رمى صيدا وهو يطير فأصابه فسقط على جبل ثم سقط منه على الأرض فمات أنه لا يؤكل وهو تفسير المتردي ; لأنه يحتمل أنه مات من الرمي ويحتمل أنه مات بسقوطه عن الجبل ، وكذلك لو كان على جبل فأصابه فسقط منه شيء على الجبل ثم سقط على الأرض فمات أو كان على سطح فأصابه فهوى فأصاب حائط السطح ثم سقط على الأرض فمات ، أو كان على نخلة ، أو شجرة فسقط منها على جذع النخلة ، أو ند من الشجرة ثم سقط على الأرض فمات ، أو وقع على رمح مركوز في الأرض وفيه سنان فوقع على السنان ثم وقع على الأرض فمات ، أو نشب فيه السنان فمات عليه ، أو أصاب سهمه صيدا فوقع في الماء فمات فيه لا يحل ; لأنه يحتمل أنه مات بالرمي ويحتمل أنه مات بهذه الأسباب الموجودة بعده ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : وإن وقع في الماء فلا تأكله فلعل الماء قتله } بين عليه الصلاة والسلام الحكم وعلل بما ذكرنا من احتمال موته بسبب آخر وهو وقوعه في الماء ، والحكم المعلل بعلة يتعمم بعموم العلة .

                                                                                                                                ولو أصابه السهم فوقع على الأرض فمات فالقياس أن لا يؤكل لجواز موته بسبب وقوعه على الأرض وفي الاستحسان يؤكل ; لأنه لا يمكن الاحتراز عن وقوع المرمي إليه على الأرض فلو اعتبر هذا الاحتمال لوقع الناس في الحرج ، وذكر في المنتقى في الصيد إذا وقع على صخرة فانشق بطنه أو انقطع رأسه أنه لا يؤكل قال الحاكم الجليل الشهيد المروزي وهذا خلاف جواب الأصل قال القدوري رحمه الله وعنى به أنه خلاف عموم جواب الأصل ; لأنه ذكر في الأصل لو وقع على آجرة موضوعة في الأرض أكل ولم يفصل بين أن يكون انشق بطنه أو لم ينشق فهذا يقتضي أن يؤكل في الحالين فيجوز أن يجعل في المسألة روايتان ويجوز أن يفرق بين الحالين من حيث إن [ ص: 59 ] لو انشق بطنه أو انقطع رأسه فالظاهر أن موته بهذا السبب لا بالرمي فكان احتمال موته بالرمي احتمال خلاف الظاهر فلا يعتبر ، وإذا لم ينشق ولم ينقطع فموته بكل واحد من السببين محتمل احتمالا على السواء إلا أن التحرز غير ممكن فسقط اعتبار موته بسبب العارض .

                                                                                                                                ويجوز أن يكون المذكور في المنتقى تفسيرا لما ذكر في الأصل فيكون معناه أنه يؤكل إذا لم ينشق بطنه أو لم ينقطع رأسه فيحمل المطلق على المقيد ويجعل المقيد بيانا للمطلق عند تعذر العمل بهما ولو وقع على حرف آجرة أو حرف حجر ثم وقع على الأرض فمات لم يؤكل لما قلنا ولو كانت الآجرة منطرحة على الأرض فوقع عليها ثم مات أكل ; لأن الآجرة المنطرحة كالأرض فوقوعه عليها كوقوعه على الأرض ، ولو وقع على جبل فمات عليه أكل ; لأن استقراره على الجبل كاستقراره على الأرض .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية