الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3669 [ 1867 ] عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال: لا.

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 119) ومسلم (1983) وأبو داود (3675) والترمذي (1294).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ الخمر خلا ظاهر في تحريم ذلك، وبه قالت طائفة من أهل العلم، وروي عن عمر ، وبه قال الزهري ، وكرهه مالك ، وقال أبو حنيفة : لا بأس بأن تتخذ الخمر خلا. وكيف يصح له هذا مع هذا الحديث ومع سببه الذي خرج عليه؟ وهو أن أنسا روى أن أبا طلحة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمرا: أنجعله خلا؟ قال: (لا)، فهراقه، فلو كان هذا جائزا لكان قد ضيع على الأيتام مالهم، ولوجب الضمان على من أراقها عليهم، وهو أبو طلحة ، وكل ذلك لم يلزم، فدل ذلك على فساد ذلك القول.

                                                                                              وهذا الحديث أيضا يدل على أن الخمر لا تملك بوجه، وهو مذهب الشافعي . وقال بعض أصحابنا: إنها تملك، وليس بصحيح; إذ لا تقر تحت يد أحد من المسلمين، ولا يجوز له التصرف فيها إلا بالإراقة، ولا ينتفع بها، فأي معنى لقول من قال: إنه يملكها؟! غير أنه يطلق لفظ التمليك بالمجاز المحض. والله أعلم.

                                                                                              فرع: لو تخللت الخمر بأمر من الله عز وجل حلت، ولا خلاف في ذلك على ما حكاه القاضي عبد الوهاب . فأما لو خللها آدمي فقد أثم; لاقتحامه النهي، ثم إنها تحل وتطهر على الرواية الظاهرة عن مالك ، وعنه رواية أخرى: أنها [ ص: 261 ] لا تحل تغليظا على المقتحم. وقال الشافعي : إنها تحل وهي على النجاسة. وهذا ضعيف لوجهين:

                                                                                              أحدهما: أنه منتقض بما إذا تخللت من نفسها.

                                                                                              والثاني: أن الموجب للتحريم والتنجيس - وهو الشدة - قد زال، فيزول الحكم.

                                                                                              فإن قيل: هبك أن الشدة قد زالت، لكن بقيت علة أخرى للتنجيس وهو مخالطة الوعاء النجس فإنه تنجس بالخمر، فلما استحالت عينها للخلية بقيت ممازجته الوعاء النجس، فتنجست بما خالطها من نجاسة الوعاء.

                                                                                              فالجواب: أن الوعاء حيث استحالت الخمر خلا طاهر لطهارة ما تعلق به فيه; إذ هو الآن جزء من الخل الذي في الوعاء.

                                                                                              فإن قيل: فيلزم على هذا أن يزول حكم النجاسة عن المحل بغير الماء، وليس بأصلكم!

                                                                                              فالجواب: إنا وإن لم يكن ذلك أصلنا، فقد خرج عن ذلك الأصل الكلي فروع: كالمخرجين، وذيل المرأة، والخف، والنعل إذا تعلقت بها أرواث الدواب، وكالسيف الصقيل، وغير هذا مما استثني عن ذلك الأصل بحكم الدليل الخاص، فيمكن أن تلحق هذه المسألة بتلك المواضع.

                                                                                              والتحقيق في الجواب ما أشرنا إليه من أن عين ما حكمنا بنجاسته لأجله قد طهر، فالمتعلق به الآن طاهر لا نجس، فالوعاء ليس بنجس. والله الموفق.




                                                                                              الخدمات العلمية