الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4193 [ 2099 ] وعن أبي سعيد الخدري قال: بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا الشيطان، أو أمسكوا الشيطان; لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا.

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 8) ومسلم (2259).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله - صلى الله عليه وسلم - للشاعر الذي عرض له بالعرج: ( خذوا الشيطان) أو: ( أمسكوا الشيطان ) إنما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفعل مع الشاعر لما علم من حاله، فلعل هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله أنه قد اتخذ الشعر طريقا للتكسب، فيفرط في المدح إذا أعطي، وفي الهجو والذم إذا منع، فيؤذي الناس في أموالهم [ ص: 529 ] وأعراضهم. ولا خلاف في أن كل من كان على مثل هذه الحالة فكل ما يكتسبه بالشعر حرام، وكل ما يقوله حرام عليه من ذلك، ولا يحل الإصغاء إليه، بل يجب الإنكار عليه، فإن لم يمكن ذلك فمن خاف من لسانه تعين عليه أن يداريه ما استطاع، ويدافعه بما أمكن، ولا يحل أن يعطى شيئا ابتداء; لأن ذلك عون على المعصية، فإن لم يجد من ذلك بدا أعطاه بنية وقاية العرض، فما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة.

                                                                                              و(قوله: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير له من أن يمتلئ شعرا ) القيح: المدة يخالطها دم. يقال منه: قاح الجرح يقيح وتقيح وقيح. وصديد الجرح: ماؤه المختلط بالدم الرقيق قبل أن تغلظ المدة.

                                                                                              و( يريه ) قال الأصمعي : هو من الوري، على مثال الرمي. وهو أن يدوى جوفه. يقال منه: رجل مودي - مشدد غير مهموز - قال أبو عبيد : هو أن يأكل القيح جوفه. قال صاحب الأفعال: وري الإنسان والبعير ورى: دوي جوفه. ووراه الدواء وريا: أفسده. ووري الكلب: سعر أشد السعار. وفي الصحاح: وري القيح جوفه، يريه، وريا: إذا أكله، وأنشد:


                                                                                              وراهن ربي مثل ما قد ورينني ............



                                                                                              وأنشد اليزيدي :


                                                                                              قالت له وريا إذا تنحنح ............



                                                                                              [ ص: 530 ] تقول منه للواحد: ر يا رجل. وللاثنين: ريا. وللجماعة: روا. وللمؤنثة: ري. وللاثنتين: ريا. ولجماعتهن: رين. والاسم: الورى - بالتحريك -.

                                                                                              واختلف في تأويل هذا الحديث. فقيل: يعني بذلك: الشعر الذي هجي به النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره، وهذا ليس بشيء; لأن القليل من هجو النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثيره سواء في أنه كفر ومذموم، وكذلك هجو غير النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين محرم; قليله وكثيره، وحينئذ لا يكون لتخصيص الذم بالكثير معنى. وقيل: إن معناه أن من كان الغالب عليه الشعر لزمه بحكم العادة الأدبية الأوصاف المذمومة التي ذكرناها آنفا، وهذا هو الذي أشار البخاري إليه لما بوب على هذا الحديث: باب ما يكره من أن يكون الغالب على الإنسان الشعر.




                                                                                              الخدمات العلمية