الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 134 ] التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا أي: فرقا.

                                                                                                                                                                                                                                      ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض يعني: بني إسرائيل.

                                                                                                                                                                                                                                      ونجعلهم أئمة أي: ولاة.

                                                                                                                                                                                                                                      ونجعلهم الوارثين أي: يرثون فرعون وقومه.

                                                                                                                                                                                                                                      ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون يعني: ما حذروه من أمر موسى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه قيل: كانت رؤيا رأتها، وقال قتادة: قذف في قلبها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جريج: أرضعته أربعة أشهر، فلما اشتد وصاح، قذفته في اليم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا : قال ذلك لما كان التقاطهم إياه يؤدي إلى كونه لهم عدوا وحزنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك : قيل: قالت ذلك يوم التقط، وقيل: يوم نتف موسى لحية فرعون، وأراد فرعون قتله.

                                                                                                                                                                                                                                      و قرت عين : مأخوذ من (القر ); والمعنى: لم تسخن بالبكاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهم لا يشعرون أي: لا يشعرون أن هلاكهم يكون على يديه، وقيل: المعنى: وبنو إسرائيل لا يشعرون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا : قال ابن مسعود، وابن عباس،

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 135 ] وغيرهما: أي: فارغا من كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وابن زيد: فارغا من وحينا، بنسيانها إياه.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: فارغا من الحزن.

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي: ناسيا ذاهلا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن القاسم عن مالك: هو ذهاب العقل.

                                                                                                                                                                                                                                      إن كادت لتبدي به : قال ابن عباس وغيره: كادت تقول: وابناه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: المعنى: إن كادت لتبدي بالوحي.

                                                                                                                                                                                                                                      لولا أن ربطنا على قلبها أي: شددنا وقوينا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقالت لأخته قصيه أي: اتبعي أثره، عن ابن عباس ومجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فبصرت به عن جنب أي: رأته عن بعد، عن مجاهد، وأصله: عن مكان جنب، وقيل معنى عن جنب : عن شوق، لغة لجذام، يقولون: (جنبت إلى لقائك ) ; أي: اشتقت إليك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهم لا يشعرون أي: لا يشعرون أنها أخته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وحرمنا عليه المراضع من قبل : قيل: {المراضع} : جمع (مرضعة ) ; والتقدير: حرمنا عليه ارتضاع المراضع، أي: المرضعات، وقيل: هو جمع (مرضع )

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 136 ] الذي هو المصدر، جمع لاختلافه.

                                                                                                                                                                                                                                      و (التحريم ) ههنا: المنع، روي: أنه لم يكن يقبل ثديا، وقيل: هو مقلوب، والمعنى: وحرمنا على المراضع رضاعه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: من قبل : من قبل رده إلى أمه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون : قال ابن جبير: استرابوها حين قالت ذلك، فقالت: إنما أردت: وهم للملك ناصحون، وتقدم ذكر خبره، وذكر (الأشد ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله آتيناه حكما وعلما أي: فهما، وعقلا، عن مجاهد، وقيل: يعني: النبوة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها : قال ابن عباس وغيره: وقت الظهيرة والناس نيام، وعن ابن عباس أيضا: بين العشاءين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كان يوم عيد لهم، اشتغلوا فيه باللهو.

                                                                                                                                                                                                                                      و {المدينة} : مدينة مصر، وكان فرعون حين خاف موسى عليه السلام أخرجه من المدينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه أي: أحدهما

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 137 ] قبطي، والآخر إسرائيلي; والمعنى: يقول من نظر إليهما: هذا إسرائيلي، وهذا قبطي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فوكزه موسى أي: وكز القبطي، قال قتادة: بالعصا، وقال مجاهد: بجمع كفه في صدره.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان قتالهما - فيما روي - في أمر الدين; فلذلك غضب موسى عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      فقضى عليه أي: قتله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال هذا من عمل الشيطان : هذا دليل على أن قتله كان خطأ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين أي: بما أنعمت علي بالمغفرة فلن أعين بعدها مجرما.

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي: هو بمعنى الدعاء، المعنى: لا تجعلني ظهيرا للمجرمين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأصبح في المدينة خائفا يترقب أي: يترقب الطلب، عن قتادة، وقيل: خرج يستخبر الخبر، ولم يكن أحد علم بقتله القبطي غير الإسرائيلي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي: يستغيث به.

                                                                                                                                                                                                                                      قال له موسى إنك لغوي مبين : قال له ذلك لأنه كان سبب قتله القبطي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما الآية: قال ابن جبير: أراد موسى عليه السلام أن يبطش بالقبطي، فتوهم الإسرائيلي أنه يريده، لأنه أغلظ له في القول، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ؟! فسمع القبطي الكلام، فأفشاه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أراد الإسرائيلي أن يبطش بالقبطي، فنهاه موسى، فخاف منه، فقال: أتريد أن تقتلني ؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 138 ] وقوله: وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى : قال قتادة: هو سمعون مؤمن آل فرعون، وقيل: سمعان.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن فرعون أمر بقتل موسى، فسبق إليه ذلك الرجل بالخبر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك أي: يأمر بعضهم بعضا بقتلك، وقيل: يهمون بقتلك، أبو عبيدة: يتشاورون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولما توجه تلقاء مدين أي: نحو مدين، وخرج إلى مدين للنسب الذي كان بينه وبينهم، لأن مدين من ولد إبراهيم، وموسى من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل يعني: طريق مدين، وقيل: الطريق المؤدي إلى النجاة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولما ورد ماء مدين : قال ابن عباس: بين مصر ومدين ثماني ليال.

                                                                                                                                                                                                                                      وجد عليه أمة من الناس يسقون أي: يسقون غنمهم وإبلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 139 ] ووجد من دونهم امرأتين تذودان أي: تذودان غنمهما عن الماء، أي: تحبسانها، عن السدي.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: تذودان الناس عن شأنهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال ما خطبكما أي: ما شأنكما لا تسقيان؟

                                                                                                                                                                                                                                      قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء أي: لا طاقة لنا على الاستقاء مع الرعاء، عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وأبونا شيخ كبير أي: لا يستطيع السقي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فسقى لهما : قال ابن عمر رضي الله عنه: رفع حجرا عن بئر لا يرفعه إلا عشرة رجال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير : قال ابن عباس: أدركه جوع شديد، فسأل الطعام.

                                                                                                                                                                                                                                      فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قيل: جاءته ساترة وجهها بكم درعها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلما جاءه وقص عليه القصص أي: أخبره قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين أي: ليس سلطان فرعون بأرضنا، عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن: والد المرأتين هو شعيب، وعنه أيضا رجل أخذ الدين عن شعيب، ابن عباس: وهو يثرى، أبو عبيدة: هو يثرون ابن أخي شعيب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية