الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قل هلم شهداءكم : (هلم) بمعنى: (هاتوا)، وإذا كانت كذلك [ ص: 695 ] تعدت، وإذا كانت بمعنى: (تعال); لم تتعد، وأهل الحجاز يقولون: (هلم) في كل حال، وأهل نجد يدخلون العلامة كسائر الأفعال.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصلها عند الخليل وسيبويه: (ها)، ضمت إليها (لم)، وحذفت الألف، وجعلتا كالكلمة الواحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أصلها: (ها المم)، فألقيت ضمة الميم على اللام، وأدغمت، واستغني عن ألف الوصل، وسقطت ألف (ها); لالتقاء الساكنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أصلها: (هل)، زيدت عليها (لم)، وحذفت إحدى اللامين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي على لفظها، تدل على معنى: (هات). ومعنى الآية: [هلم شهداء من عندكم يشهدون بصحة قولكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم : قال ابن عباس: هذه الآيات الثلاث هي الآيات المحكمات التي ذكر الله تعالى في (آل عمران).

                                                                                                                                                                                                                                      و(الإملاق): الفقر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تتبعوا السبل : قال مجاهد: يعني: البدع، قال: و (صراط الله المستقيم): الإسلام، والسنة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن : [جاءت (ثم) ههنا على معنى إضمار القول; كأنه قال: ثم قل: آتينا موسى الكتاب; يدل عليه قوله: [ ص: 696 ] قل تعالوا أتل ، فـ (ثم): لترتيب ما أمر به من القول.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن في معنى قوله: تماما على الذي أحسن ]: كان فيهم محسن وغير محسن، فأنزل الله الكتاب تماما على المحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: المعنى: تماما على الإحسان الذي أحسن إليهم، إذ هداهم إلى الإيمان بموسى، وعنه أيضا: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: يتمم كرامته في الجنة تماما على إحسانه في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      الربيع بن أنس: تماما على إحسان موسى بطاعته لله تعالى، وقاله الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: تماما على إحسان الله عز وجل إلى موسى بالنبوة وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا أي: [وهذا كتاب أنزلناه كراهة أن] تقولوا: إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى، ولم ينزل علينا كتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 697 ] وقوله تعالى: أو تقولوا لو أنا أنـزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم : معطوف على ما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك : [قد تقدم معنى (أو يأتي ربك)، ومجازه، و (إتيان الملائكة): يعني: بالموت.

                                                                                                                                                                                                                                      أو يأتي بعض آيات ربك ]: قال ابن مسعود، وغيره: يعني: طلوع الشمس من مغربها.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الآيات التي لا ينفع الإيمان بعدها: «طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض»، وعنه صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال: «باب التوبة مفتوح من قبل المغرب، عرضه مسيرة سبعين عاما، فإذا طلعت الشمس منه; لم يقبل لأحد توبة»،وتلا هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أو كسبت في إيمانها خيرا : (كسب الخير في الإيمان): الاستكثار من عمل البر في النوافل بعد أداء الفرائض.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: لا ينفعه إيمانه حينئذ، وإن اكتسب فيه خيرا، إلا أن يكون ممن [ ص: 698 ] آمن قبل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا : قال أبو هريرة: هي في أهل الضلالة من هذه الأمة، وقيل: هي في الخوارج.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: هي في اليهود; لأنهم مالئوا عبدة الأوثان على المسلمين.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هي في اليهود والنصارى; لأن بعض كل فرقة منهم تكفر بعضا.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: هي في جميع المشركين، وقيل: هي في كل مبدع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قيل: (الحسنة): لا إله إلا الله، و (السيئة): الشرك، وقيل: يعني: الحسنات والسيئات في الأعمال.

                                                                                                                                                                                                                                      [وفي الخبر: «أن المجازى يعطى عشرة أضعاف ما كان عنده أنه النهاية في المجازاة» ].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 699 ] وقيل: التقدير: عشر حسنات أمثال حسنته، ويزيد الله في التضعيف لمن يشاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما أي: مستقيما، ومن قرأ: (قيما); فهو مصدر; كـ (الصغر) و (الكبر).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي : (النسك): جمع (نسيكة); وهي الذبيحة، وكذلك قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهما: المعنى: ذبيحتي في الحج والعمرة.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: (نسكي): ديني.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: (عبادتي، ومنه: الناسك الذي يتقرب إلى الله بالعبادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنا أول المسلمين أي: من هذه الأمة، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قل أغير الله أبغي ربا : لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه: الإنكار.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تكسب كل نفس إلا عليها : [أي: لا ينفعني في ابتغاء رب غير الله كونكم على ذلك; إذ لا تكسب كل نفس إلا عليها]، فلست أعذر [ ص: 700 ] باكتسابكم الإثم إن اكتسبته.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تزر وازرة وزر أخرى أي: لا تحمل نفس وزر نفس أخرى.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى جعلكم خلائف الأرض يعني: أن كل أمة يخلفون من كان قبلهم، و (خلائف): جمع (خليفة).

                                                                                                                                                                                                                                      ورفع بعضكم فوق بعض درجات أي: فضل بعضكم على بعض في الرزق.

                                                                                                                                                                                                                                      ليبلوكم في ما آتاكم أي: ليختبركم فيما أعطاكم; ليقع منكم ما يقع به الثواب والعقاب، ولم يزل يعلمه غيبا.

                                                                                                                                                                                                                                      إن ربك سريع العقاب : لمن عصاه، وإنه لغفور رحيم : لمن أطاعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء في الخبر: «أن سورة الأنعام نزل معها سبعون ألف ملك، مع آية واحدة منها اثنا عشر ألف ملك; وهي: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [59] الآية»، «ونزلت سورة الأنعام جملة». [ ص: 701 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية