الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : {الأيدي}: القوة، والعبادة، والطاعة، و {الأبصار}: الفقه في الدين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {الأيدي}: النعم التي أنعم الله بها عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أصحاب النعم التي قدموها من الأعمال الصالحة، وهذا اختيار الطبري، قال: وهو تمثيل بالرجل تكون له عند الرجل يد، على ما تستعمله العرب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 500 ] وقوله: إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار : قال قتادة : المعنى: أنهم يذكرون بطاعة الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: المعنى: بخوف ذكرى الدار، فكانوا يرغبون في الآخرة ويزهدون في الدنيا، وتقدير الكلام مذكور في الإعراب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا ذكر : قيل: المعنى: هذا ذكر حسن في الدنيا، وشرف لهؤلاء المذكورين، وقيل: المعنى: هذا القرآن ذكر للمؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب أي: مفتحة لهم أبوابها من غير معالجة من سكانها.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : يقولون للأبواب: انفتحي، انغلقي، فتطيعهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم ذكر قاصرات الطرف .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {أتراب}: أنهن على سن واحدة، عن قتادة، مجاهد : أمثال، السدي: متآخيات، لا يتعادين، ولا يتغايرن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا وإن للطاغين لشر مآب : يجوز أن يكون تقديره: الأمر هذا; فيوقف على {هذا} وكذلك إن قدر المعنى على: هذا الذي وصفته للمتقين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا فليذوقوه حميم وغساق : قيل: المعنى: هذا حميم وغساق، فليذوقوه; [ ص: 501 ] فلا يوقف على: {فليذوقوه} .

                                                                                                                                                                                                                                      [ويجوز أن يكون {فليذوقوه} خبرا عن {هذا} ودخلت الفاء؛ للتنبيه الذي في {هذا} فيوقف على {فليذوقوه} ويرتفع {حميم} على تقدير: هذا حميم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون قوله: {هذا} في موضع نصب بإضمار فعل يفسره {فليذوقوه} ويبتدأ حميم وغساق على تقدير: هذا حميم وغساق.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الغساق) في قول قتادة: ما يسيل من بين الجلد واللحم.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: هو شيء بارد يحرق كما تحرق الحمى.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: (الحميم): دموع أعينهم تجمع في حياض النار، فيسقونه، و (الغساق): الصديد الذي يخرج من جلودهم.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: (الغساق): الذي يسيل من أعينهم ودموعهم، يسقونه مع الحميم.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : (الغساق): أبرد البرد، وهو القيح الغليظ.

                                                                                                                                                                                                                                      كعب: (الغساق): عين في جهنم تسيل إليها حمة كل ذات حمة، فتستنقع بها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 502 ] وقوله: وآخر من شكله أزواج : قال ابن مسعود: هو الزمهرير.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : {أزواج}: ألوان من العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : من شكله : من نحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هذا فوج مقتحم معكم : (الفوج): الجماعة والفرقة; والمعنى: مقتحم معكم في النار، وهذا من قول الملائكة لأهل النار، والمعنى: يقولون لهم: هذا فوج.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا مرحبا بهم : من قول أهل النار; والمعنى: لا اتسعت منازلهم في النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنهم صالو النار : قيل: إنه متصل بقوله: لا مرحبا بهم من قول المتقدمين في النار، وقيل: هو من قول الملائكة، متصل بقولهم: هذا فوج مقتحم معكم .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال الفوج المقتحم للمتقدمين في النار: بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا ، أي: أنتم أوردتمونا هذا العذاب بإضلالكم إيانا، ثم قال الفوج المقتحم أيضا: ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار أي: أضعف عذابه، وقال ابن مسعود: معنى عذابا ضعفا في النار : الحيات والأفاعي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار : هذا من قول أكابر [ ص: 503 ] المشركين، يعنون بـ (الرجال): ضعفاء المسلمين.

                                                                                                                                                                                                                                      أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار : قال مجاهد : المعنى: أتخذناهم سخريا، فأخطأنا أثرهم في النار، أم زاغت أبصارنا عنهم؟ أي: أهم في النار لا نعرف مكانهم، أم لم تقع أعيننا عليهم؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن {أم} بمعنى: (بل).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون : يعني: القرآن، عن مجاهد ، وقيل: يعني: ما قصه من خبر أهل النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون : قيل: (الملأ الأعلى): الملائكة، وروي: أن اختصامهم في كفارات بني آدم، فإنهم قالوا: إن الكفارات نقل الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء عند المكروهات، والتعقيب في المساجد بعد الصلوات، روي ذلك في خبر طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الملأ الأعلى): الملائكة، والضمير في {يختصمون}: لقريش; يعني: قول من قال منهم: إن الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الملأ الأعلى) ههنا: قريش، يعني: اختصامهم فيما بينهم سرا، فأطلع الله تعالى نبيه -عليه الصلاة والسلام- على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين أي: إن يوحى إلي إلا الإنذار.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 504 ] وقوله: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي : (اليدان): صفة من صفات الله -عز وجل- وقيل: عبر بـ(اليدين) عن القدرة، وقيل: عبر بهما عن القوة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ذكرتا تأكيدا على ما تستعمله العرب من نحو قولهم: (هذا ما جنته يداك) فمعنى لما خلقت بيدي على هذا: لما خلقته.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: المعنى: لما خلقت لنعمتي; نعمة الدنيا، ونعمة الآخرة، فالباء بمعنى اللام].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال فالحق والحق أقول : قال ابن عباس : المعنى: فأنا الحق، مجاهد : المعنى: فالحق مني، والحق أقول، وهذا على قراءة من رفع ومن نصب، فعلى تقدير: فالحق قلت، والحق أقول، أو على: أحق الحق، أو على القسم، نحو: (الله لأفعلن) ومن جر فعلى القسم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما أنا من المتكلفين أي: لا أتكلف، ولا أتخرص ما لم أؤمر به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولتعلمن نبأه بعد حين أي: لتعلمن أن القرآن وما وعدتم به فيه حق، ومعنى بعد حين : بعد الموت، عن قتادة، السدي: يوم بدر، ابن زيد: يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية