الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      من قرأ {عبدنا} بالتوحيد; فـ{إبراهيم} بدل من {عبدنا} وما بعده معطوف عليه، ومن قرأ {عبادنا} فـ{إبراهيم} وما بعده بدل من {عبادنا} داخلون في العبودية والذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {أولي الأيد} بغير ياء; فمعناه: أولي القوة في طاعة الله، ويجوز أن يكون كمعنى قراءة الجماعة، وحذفت الياء تخفيفا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 508 ] وقوله: إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار : من نون (خالصة) فـ ذكرى الدار بدل منها، التقدير: إنا أخلصناهم بأن يذكروا الدار، ويتأهبوا لها.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون (خالصة) مصدرا لـ(خلص) و {ذكرى} في موضع رفع بأنها فاعل (خالصة) والمعنى: أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون (خالصة) مصدرا لـ (أخلصت) فحذفت الزيادة، فتكون {ذكرى} على هذا في موضع نصب، التقدير: بأن أخلصوا ذكرى الدار.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الدار} يجوز أن يراد بها: الدنيا، ويجوز أن يراد بها: الآخرة; فإن أريد بها الدنيا فالمعنى: أبقينا عليهم الثناء الجميل في الدنيا، فـ {الدار} على هذا ظرف، والقياس أن يتعدى الفعل والمصدر إليه بالحرف، إلا أنه اتسع فيه، فصار مثل: (ذهبت الشام) وإن أريد بـ {الدار} الآخرة، فهي مفعولة، ويكون ذكرهم للدار الآخرة وجل قلوبهم منها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أضاف (خالصة) إلى ذكرى الدار فلأنها تكون على ضروب، فخصصت بالإضافة، فإن كانت مصدرا لـ(خلص) فهي مضافة إلى الفاعل، وإن كانت مصدرا لـ (أخلص) فهي مضافة إلى المفعول، وتكون {الدار} الدنيا [ ص: 509 ] والآخرة، على ما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار : لم تلق حركة اللام فيها على ما قبلها; لأن إلقاء الضمة والكسرة على ما قبل الألف لا يستقيم; لأن الألف في نية الثبات، فكأن الحركة ملفوظ بها، ولولا تقدير الحركة فيها لم تنقلب ألفا، فإذا كانت كالملفوظ بها، لم يجز إلقاؤها على ما قبلها، وليست الياء في نحو: (قاض) كذلك؛ لأنها ساكنة، والحركة فيها غير مقدرة; بدلالة أنهم إذا اضطروا ردوه إلى الأصل، فليست كالألف.

                                                                                                                                                                                                                                      جنات عدن مفتحة لهم الأبواب : في {مفتحة} ضمير (الجنات) و {الأبواب}: بدل منها بدل البعض من الكل، أو بدل الاشتمال; لأن {الأبواب} بعض (الجنات) وهي مشتملة عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الأبواب} عند الفراء مرتفعة بـ{مفتحة} والألف واللام قامتا مقام الضمير، والتقدير: مفتحة لهم أبوابها، وأنكره البصريون؛ لأن الحرف لا يكون عوضا من الاسم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: التقدير: مفتحة لهم الأبواب منها.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنكر أبو علي القولين جميعا، وقال: لو جاز ما ذهب إليه الفراء، لم يقولوا: (هند حسنة الوجه) ولقالوا: (هند حسن الوجه) كما قالوا: (هند حسن وجهها) [ ص: 510 ] ففي ذلك دليل على أن الألف واللام لا يسدان مسد الضمير في اللفظ وإن كان المعنى عليه، قال: ولا يجوز في قول من جعل التقدير: (مفتحة لهم الأبواب منها) أن تراد الصفة وتحذف، كما يجوز في الابتداء نحو: (السمن منوان بدرهم) لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره، فلا يمتنع حذف بعضه، وليست الصفة كذلك؛ لأنها موضع تخصيص، ولو جاز: (مفتحة لهم الأبواب منها) لجاز (هند حسن الوجه) وأنت تريد (حسن الوجه منها).

                                                                                                                                                                                                                                      ومن شدد {الغساق} جعله وصفا، وحذف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، ويبعد كونه اسما لقلة هذا المثال في الأسماء، ومن قرأ بالتخفيف فهو اسم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: وآخر من شكله أزواج أراد: الزمهرير، و {آخر}: مرفوع بالابتداء، و {أزواج}: مبتدأ ثان، و من شكله : خبره، والجملة خبر {آخر}.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون {آخر} مبتدأ، والخبر مضمر، دل عليه هذا فليذوقوه حميم وغساق لأن فيه دليلا على أنه لهم، فكأنه قال: ولهم آخر، ويكون من شكله أزواج صفة لـ {آخر} فالمبتدأ متخصص بالصفة، و {أزواج}: مرفوع بالظرف.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 511 ] ومن قرأ: {وأخر} أراد: وأنواع من العذاب أخر، ومن جمع وهو يريد الزمهرير، فعلى أنه جعل الزمهرير أجناسا، فجمع؛ لاختلاف الأجناس، أو على أنه جعل كل جزء منه زمهريرا، ثم جمع، كما قالوا: (شابت مفارقه) أو على أنه جمع لما في الكلام من الدلالة على جواز الجمع، لأنه جعل الزمهرير الذي هو نهاية البرد بإزاء الجمع في قوله: هذا فليذوقوه حميم وغساق .

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في {شكله} يجوز أن يعود على (الحميم) أو على (الغساق) أو على معنى: وآخر من شكل ما ذكرناه.

                                                                                                                                                                                                                                      ورفع {أخر} على قراءة الجمع بالابتداء، و من شكله : صفة له، وفيه ذكر يعود على المبتدأ، و {أزواج} مرتفعة بالظرف، كما جاز في الإفراد؛ لأن الصفة لا ضمير فيها من حيث ارتفع {أزواج} بالظرف، [ ص: 512 ] ولا ضمير في الظرف، والهاء في من شكله لا تعود على {أخر} لأنه جمع، والضمير مفرد، قاله أبو علي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أتخذناهم سخريا : [من قرأ على الخبر; فلأنهم قد علموا أنهم اتخذوهم سخريا] فقوله {اتخذناهم} صفة لـ(رجال) والجملة المعادلة لـ {أم} محذوفة، والتقدير: أمفقودين هم أم زاغت عنهم الأبصار؟ أو تكون {أم} بمعنى (بل) على ما قدمناه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ بالاستفهام; فمعناه: التقرير; وعودل بـ {أم} لأنه على لفظ الاستفهام; كما قال سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم [المنافقون: 6].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن ذلك لحق تخاصم أهل النار : {لحق}: خبر {إن} و {تخاصم}: خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من (حق) أو من {ذلك} على الموضع، أو خبر بعد خبر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين الفتح في {أنما} على معنى: إن يوحى إلي إلا بأنما أنا نذير مبين [ ص: 513 ] والكسر على الحكاية، كأنه قال: يقال لي: أنت نذير مبين، هذا هو المعنى، وإن كان اللفظ مخالفا له، كما تقول: (أنت قلت: إنك شجاع) وإنما قال: (أنا شجاع).

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أخبر في قوله تعالى: بيدي أستكبرت فـ{أم} منقطعة، بمنزلة: أم يقولون افتراه [يونس: 38] وشبهه، ومن استفهم، فـ{أم} معادلة لهمزة الاستفهام، وهو تقرير، حسب ما تقدم في أمثاله.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن رفع {فالحق} فعلى تقدير: فأنا الحق، أو فالحق مني، ومن نصب، فعلى تقدير: أحق الحق، أو فالحق قلت، أو على القسم، وحذف حرف الجر، كما تقول: (الله لأفعلن) وقوله: والحق أقول جملة اعترضت بين القسم والمقسم عليه، وهي تؤكد القصة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا جعل (الحق) منصوبا بإضمار فعل، كان {لأملأن} على إرادة القسم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 514 ] وقد أجاز الفراء وأبو عبيد أن يكون نصبه على إعمال {لأملأن} ولم يجزه غيرهما; لأن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها، والتقدير على قولهما: لأملأن جهنم حقا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عن بعضهم: {فالحق} وهو على إضمار حرف القسم، أجازه سيبويه والفراء، وقيل: إن الفاء بدل من حرف القسم.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      هذه السورة مكية، وعددها في المدنيين، والمكي، والشامي: ست وثمانون آية، وفي الكوفي: ثمان وثمانون آية، وفي البصري، وعدد عاصم الجحدري : خمس وثمانون آية.

                                                                                                                                                                                                                                      اختلف منها في ثلاث آيات:

                                                                                                                                                                                                                                      والقرآن ذي الذكر [1]: كوفي مجرد، وكذلك: والحق أقول [84].

                                                                                                                                                                                                                                      كل بناء وغواص [37]: الجماعة سوى البصري.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية