الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود هنا أن معرفة ما يعارض الكتاب والمرسلين، كنبوة مسيلمة ونحوه من الكذابين، وأقاويل أهل الإلحاد الذين يعارضون بعقولهم وذوقهم ما جاء به الرسول، كلما ازداد العارف معرفة بها وبما جاء به الرسول، تبين له صدق ما جاء به الرسول وبيانه وبرهانه، وبطلان هذه وفسادها وكذبها، كما إذا قدر مفتيان أو قاضيان أو محدثان أحدهما يتكلم بعلم وعدل، والآخر بجهل وظلم، فإنه كلما اعتبرت أحدهما بالآخر ظهرت [ ص: 261 ] الحقيقة الفارقة بينهما، وكذلك الصانعان اللذان أحدهما قادر ناصح، والآخر عاجز غاش، وكذلك التاجران اللذان أحدهما صادق أمين، والآخر كاذب خؤون، وكذلك المتوليان اللذان أحدهما قوي أمين، والآخر عاجز خائن، وأمثال ذلك.

فنحن - ولله الحمد - قد تبين لنا من فساد الأقاويل المعارضة لقول الرسول ما ليس هذا المقام مقام تفصيله، فإنه يحتاج أن نتكلم في كل مسألة من مسائل الدين، ونستوفي حجج المبطلين فيها، ونتبين فسادها، وليس هذا موضع استيفاء ذلك.

وإنما المقصود بيان فساد القانون الزائغ الذي يقدمون به مذاهبهم المبتدعة على المنصوص من كلام الله ورسوله، وهم قد وضعوا عبارات مجملة مشتبهة، لبسوا بها على كثير ممن عنده إيمان بالله ورسوله، من كبار أهل العلم والدين، وأولئك لم يعرفوا حقيقة ما في تلك الأقوال من الإلحاد، فقبلوها ممن ابتدعها من أهل النفاق.

كما قال الله تعالى عن المنافقين: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم [سورة التوبة: 47] بين سبحانه أن المنافقين لو خرجوا في غزوة ما زادوا المؤمنين إلا خبالا، ولأوضعوا - أي أسرعوا - خلالهم، أي بينهم، يطلبون لهم الفتنة، وفي المؤمنين من يقبل منهم - وهم السماعون لهم - أي يستجيبون لهم، ليس المراد من ينقل الأخبار إليهم، كما يظنه بعض الناس.

بل هذا نظير قوله: سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم [ ص: 262 ] يأتوك [سورة المائدة: 41] ، أي يسمعون الكذب فيقبلونه ويصدقونه، ويسمعون لقوم آخرين لم يأتوك فيستجيبون لهم، فبين أنهم يصدقون الكذب، ويستجيبون لمن يخالف الرسول.

التالي السابق


الخدمات العلمية