الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنشأ الضلال قوله: "لو قدرنا قيام الدليل القاطع العقلي على خلاف ما دل عليه الدليل السمعي) وإثبات هذا التقدير هو الذي أوقعكم في هذه المحاذير، فكان ينبغي لكم أن تعلموا أن هذا التقدير يجب نفيه قطعا، وأنه يمتنع أن يقوم دليل قاطع عقلي مخالف للدليل السمعي. [ ص: 390 ]

ثم هؤلاء يحكون إجماعات يجعلونها من أصول علمهم، ولا يمكنهم نقلها عن واحد من أئمة الإسلام، وإنما ذلك بحسب ما يقوم في أنفسهم من الظن، فيحكون ذلك عن الأئمة: كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في المحافل.

فإذا قيل لأحدهم في الخلوة: أنت حكيت أن هذا قول هؤلاء الأئمة: فمن نقل ذلك عنهم؟ قال هذا: العقلاء. والأئمة لا يخالفون] العقلاء، فيحكون أقوال السلف والأئمة، لاعتقادهم أن العقل دل على ذلك.

ومن المعلوم أنه لو كان العقل يدل على ذلك باتفاق العقلاء، لم يجز أن يحكى عن الإنسان قول لم ينقله عنه أحد، ولهذا كان أهل الحديث يتحرون الصدق، حتى أن كثيرا من الكلام، الذي هو في نفسه صدق وحق موافق للكتاب والسنة، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيضعفونه أو يقولون: هو كذب عليه، لكونه لم يقله، أو لم يثبت عنه، وإن كان معناه حقا.

ولكن أهل البدع أصل كلامهم الكذب: إما عمدا وإما بطريق الابتداع، ولهذا يقرن الله بين الكذب والشرك في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين [سورة الأعراف: 152] ، وقوله تعالى: واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به [سورة الحج: 30-31] . [ ص: 391 ]

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: « عدلت شهادة الزور الإشراك، مرتين أو ثلاثا» .

وقال تعالى: ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون [سورة القصص: 74-75] .

وهذا كحكاية الرازي. وإجماع المعتبرين على إمكان وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، ولا يمكن أحد أن ينقل عن نبي من أنبياء الله تعالى، ولا من الصحابة، ولا التابعين، ولا سلف الأمة، ولا أعيان أئمتها وشيوخها، إلا ما يناقض هذا القول، ولا يمكنه أن يحكي هذا عمن له في الأمة لسان صدق أصلا.

وكما تقول طائفة - كأبي المعالي وغيره- : "اتفق المسلمون على أن الأجسام تتناهى في تجزئها وانقسامها حتى تصير أفرادا، فكل جزء لا يتجزأ، وليس له طرف واحد. [ ص: 392 ]

ومعلوم أن هذا القول لم يقله إلا طائفة من أهل الكلام، لم يقله أحد من السلف والأئمة، وأكثر طوائف أهل الكلام من الهشامية والضرارية والنجارية والكلابية وكثير من الكرامية على خلاف ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية