الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا أراد أن الطبيعة العامة أو المطلقة أو الكلية [لازمة] لهذه الطبائع الخاصة، فالمعنى الصحيح: أن هذا المعنى الذي يوجد في الذهن [عاما] مطلقا كليا، والذي يوجد أعيانه في الخارج أكثر من أعيان الطبيعة [الخاصة] هو لازم للطبيعة الخاصة، فحيث كان ناطق أو صاهل كان هناك [ما] هو حيوان، وليس إذا كان حيوان يلزم أن يكون هناك ناطق أو صاهل.

وهنا كلام ليس هذا موضعه: وهو أن الحيوانية التي للإنسان مثلا، هي مماثلة للتي للفرس مخالفة لها، فهؤلاء يقولون: هي مماثلة، والمختلفات يلزمها أمور متماثلة، وغيرهم يقولون: بل لوازم المختلفات مختلفة، وليست الحيوانية التي في هذا النوع مثل الحيوانية التي في النوع الآخر.

وهذا نظير اختلافهم في الحكم الواحد بالنوع: هل يجوز تعليله بعلتين مختلفتين؟ فمن قال بالأول جوز ذلك.

ومن قال بالثاني منع ذلك، وقال: اختلاف العلل يقتضي [ ص: 99 ] اختلاف الأحكام، ويجيبون عن قول من يقول: إن الملك نوع واحد، وهو يستفاد بالبيع والإرث والاتهاب ونحو ذلك - بأن الملك أنواع مختلفة، وليس هذا مثل هذا، وإن اشتركا [في] كثير في كثير من الأحكام، وكذلك حل الدم الثابت بالردة والقتل والزنا.

وقد عورضوا بنقض الوضوء الثابت بأسباب مختلفة، فأجابوا بأنه قد يختلف الحكم بالقوة والضعف.

وهذا الآن كلام في تماثل الأحكام والعلل المختلفة وتماثل لوازم الأنواع المختلفة، وأما كون هذا المعين ليس هو هذا المعين، فهذا مما لا نزاع فيه.

والمقصود هنا أن المتفقات في أمر من الأمور، إذا قيل: إن ما به الاشتراك لازم لما به الامتياز، فما اشتركا فيه لا يفارق ما به من الامتياز [من جهة كونه] مشتركا، ولا يوجد معه، فضلا عن أن يلزمه، إذ الاشتراك إنما هو فيه إذا كان في الذهن، وهو من هذه الجهة لا يوجد في الخارج، ولكن الوصف الذي يقال إنهما تشاركا فيه، معناه أنه يوجد لهذا معينا، ويوجد لهذا من نوعه آخر معين، والمعين لا اشتراك فيه، فلا يظن أنه وجد في الخارج ما اشتركا فيه في الخارج، وإن كان مشتركا فيه في الذهن. [ ص: 100 ]

واعتبر عموم المعاني والاشتراك فيهما، بعموم الألفاظ والاشتراك فيهما، فإذا قلت: لفظ "إنسان" يشترك فيه هذا وهذا ويعمها، ولفظ "حيوان" يشترك فيه أكثر مما يشترك في لفظ "إنسان" لم يكن بين المسميات في الخارج شيء اشتركت فيه، فليس بين هذا الإنسان وهذا الإنسان، ولا بينهما وبين الفرس في الخارج شيء مشترك بينهما لأجل الاشتراك والاتفاق في لفظ "إنسان" ولفظ "حيوان"، فكذلك اتفاقهما واشتراكهما في المعنى المدلول عليه بهذا اللفظ.

وكذلك اتفاقهم واشتراكهم في الخط المرقوم المطابق لهذا اللفظ، فالخط يطابق اللفظ، واللفظ يطابق المعنى، والثلاثة تتناول الأفراد الموجودة في الخارج وتعمها، والأعيان متفقة فيها مشتركة، من غير أن يكون بين الأعيان في الخارج شيء اشتركت فيه لكن بينها تشابه بحسب ذلك المعنى الشامل لها، واللفظ المطابق له، والخط المطابق للفظ.

التالي السابق


الخدمات العلمية