الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإنما ذكرنا هذا، لأن كثيرا من الجهمية النفاة يقولون: فائدة إنزال هذه النصوص المثبتة للصفات، وأمثالها من الأمور الخيرية التي يسمونها هم المشكل والمتشابه، فائدتها عندهم اجتهاد أهل العلم في صرفها عن مقتضاها بالأدلة المعارضة لها حتى تنال النفوس كد الاجتهاد، وحتى تنهض إلى التفكر والاستدلال بالأدلة العقلية المعارضة لها الموصلة إلى الحق، فحقيقة الأمر عندهم أن الرسل خاطبوا الخلق بما لا يبين الحق، ولا يدل على العلم، ولا يفهم منه الهدى، بل يدل على الباطل، ويفهم منه الضلال، ليكون انتفاع الخلق بخطاب الرسول اجتهادهم في رد ما أظهرته الرسل وأفهمته الخلق، وأنهم بسبب ذلك ينظرون نظرا [ ص: 366 ] يؤديهم إلى معرفة الحق، من غير أن ينصب الرسول لهم على الحق دلالة، ولا يبينه لهم بخطابه أصلا، فمثال ذلك عندهم مثل من أرسل مع الحجاج أدلة يدلونهم على طريق مكة، وأوصى الأدلاء بأن يخاطبوهم بخطاب يدلهم على غير طريق مكة، ليكون ذلك الخطاب سببا لنظرهم واستدلالهم حتى يعرفوا طريق مكة بنظرهم، لا بأولئك الأدلاء، وحينئذ يردون ما فهم من كلام الأدلاء، ويجتهدون في نفي دلالته، وإبطال مفهومه ومقتضاه.

وإذا كان الأمر كذلك، فمن المعلوم أن خلقا كثيرا لا يتبعون إلا الأدلاء الذين يدعون أنهم أعلم بالطريق منهم، وأن ولاة الأمور قد قلدوهم دلالة الحاج، أو تعريفهم الطريق، وأن درك ذلك عليهم فيتبعون الأدلاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية