الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            10155 وعن عائشة قالت : خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس ، فسمعت وئيد الأرض من ورائي - يعني : حس الأرض - قالت : فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه .

                                                                                            قالت : فجلست إلى الأرض ، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه ، فأنا أتخوف على أطراف سعد ، [ ص: 137 ] قالت : وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم قالت : فمر وهو يرتجز ويقول .


                                                                                            لبث قليلا يدرك الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل

                                                                                            قالت : [ فقمت ] فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين ، وإذا فيها عمر بن الخطاب ، وفيهم رجل عليه تسبغة له - يعني : المغفر - فقال عمر : ما جاء بك ، لعمري [ والله ] إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز ؟ قالت : فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها ! .

                                                                                            قال : فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله ، فقال : ويحك يا عمر ، إنك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله تعالى ؟ ! .

                                                                                            قالت : ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش يقال له : ابن العرقة بسهم له ، فقال له : خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فقطعه فدعا الله سعد فقال : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة [ قالت : وكانوا حلفاؤه ومواليه في الجاهلية . قالت :فرقى كلمه، وبعث الله - عز وجل - الريح على المشركين ، فكفى الله - عز وجل - المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ،ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في ] صياصيهم ، ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد .

                                                                                            قالت : فجاءه جبريل - عليه السلام - وإن على ثناياه لتقع الغبار ، فقال : لقد وضعت السلاح ! لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح ، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم .

                                                                                            قال : فلبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر على بني غنم ، وهم جيران المسجد ، فقال : " من مر بكم ؟ " . فقالوا : مر بنا دحية الكلبي ، وكان دحية تشبه لحيته [ وسنه ] ووجهه جبريل - عليه السلام - .

                                                                                            قالت : فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصرهم ، واشتد البلاء ، قيل لهم : انزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر ، فأشار إليهم أنه الذبح ، فقالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( انزلوا على حكم سعد بن معاذ ) [ فنزلوا ] وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن معاذ فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه ، وحف به قومه ، وقالوا له : يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ، ومن قد علمت . فلم يرجع إليهم شيئا ، ولا يلتفت إليهم حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه ، فقال : قد أنا لي أن [ ص: 138 ] لا يأخذني في الله لومة لائم .

                                                                                            قال : قال أبو سعيد : فلما طلع قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه " . قال عمر : سيدنا الله . قال : " أنزلوه " . فأنزلوه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " احكم فيهم " . قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ، وتقسم أموالهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله " .

                                                                                            قال : ثم دعا سعد فقال : اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك .

                                                                                            قالت : فانفجر كلمه وكان قد برأ إلا مثل الخرص . قالت : ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالت عائشة : فحضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر .

                                                                                            قالت : فوالذي نفس محمد بيده ، إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل : رحماء بينهم .

                                                                                            قال علقمة : فقلت : أي أمه فكيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته
                                                                                            .

                                                                                            قلت : في الصحيح بعضه . رواه أحمد ، وفيه محمد بن عمرو بن علقمة ، وهو حسن الحديث ، وبقية رجاله ثقات .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية