الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            10445 - وعن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل قال :

                                                                                            سألته عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي . قال : قلت : فيم فارقوه ؟ وفيم استحلوه ؟ وفيم دعاهم ؟ وبم استحل دماءهم ؟ قال : إنه لما استحر القتل في أهل الشام بصفين ، اعتصم هو وأصحابه بجبل ، فقال له عمرو بن العاص : أرسل إليه بالمصحف فلا والله لا نرده عليك . قال : فجاء رجل يحمله ينادي : بيننا وبينكم كتاب الله ، ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب . . . الآية . قال علي : نعم بيننا وبينكم كتاب الله ، أنا أولى به منكم .

                                                                                            فجاءت الخوارج ، وكنا نسميهم يومئذ القراء ، وجاءوا بأسيافهم على عواتقهم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ألا نمشي إلى هؤلاء القوم حتى يحكم الله بيننا وبينهم ؟ . فقام سهل بن حنيف ، قال : يا أيها الناس ، اتهموا أنفسكم ، لقد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ولو نرى قتالا قاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين ، فجاء عمر بن الخطاب ، فقال : يا رسول الله ، ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال : " بلى " . قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : " بلى " . قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : " يا ابن الخطاب ، إني رسول الله ولن يضيعني أبدا " .

                                                                                            فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا حتى أتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على الحق ، وهم على الباطل ؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى . قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ، ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب ، إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا .

                                                                                            قال : فنزل القرآن على محمد بالفتح ، فأرسل إلى عمر ، فأقرأه ، فقال : يا رسول الله ، أوفتح هو ؟ قال : " نعم " . [ ص: 238 ] قال : فطابت نفسه ورجع ، ورجع الناس
                                                                                            ، ثم إنهم خرجوا بحروراء - أولئك العصابة من الخوارج بضعة عشر ألفا - فأرسل إليهم علي ينشدهم الله ، فأبوا عليه . فأتاهم صعصعة بن صوحان فأنشدهم ، وقال : علام تقاتلون خليفتكم ؟ قالوا : مخافة الفتنة . قال : فلا تعجلوا ضلالة العام مخافة فتنة عام قابل . فرجعوا وقالوا : نسير على ما جئنا ، فإن قبل علي القضية قاتلنا على ما قاتلنا يوم صفين ، وإن نقضها قاتلنا معه . فساروا حتى بلغوا النهروان . فافترقت منهم فرقة ، فجعلوا يهدون الناس ليلا ، قال أصحابهم : ويلكم ما على هذا فارقنا عليا ، فبلغ عليا أمرهم فخطب الناس ، فقال : ما ترون ، نسير إلى أهل الشام أم نرجع إلى هؤلاء الذين خلفوا إلى ذراريكم ؟ قالوا : بل نرجع فذكر أمرهم ، فحدث عنهم بما قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                            " إن فرقة تخرج عند اختلاف من الناس ، تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق ، علامتهم رجل منهم يده كثدي المرأة " .

                                                                                            فساروا حتى التقوا بالنهروان ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فجعلت خيل علي لا تقف لهم ، فقال علي : يا أيها الناس ، إن كنتم إنما تقاتلون لي فوالله ما عندي ما أجزيكم ، وإن كنتم إنما تقاتلون لله ، فلا يكونن هذا فعالكم ، فحمل الناس حملة واحدة ، فانجلت الخيل عنهم وهم منكبون على وجوههم .

                                                                                            فقام علي ، فقال : اطلبوا الرجل الذي فيهم ، فطلب الناس الرجل فلم يجدوه ، حتى قال بعضهم : غرنا ابن أبي طالب من إخواننا حتى قتلناهم . قال : فدمعت عين علي ، قال : فدعا بدابته فركبها فانطلق حتى أتى وهدة فيها قتلى بعضهم على بعض ، فجعل يجر بأرجلهم حتى وجد الرجل تحتهم ، فأخبروه ، فقال علي : الله أكبر . وفرح ، وفرح الناس ورجعوا . وقال علي : لا أغزو العام . ورجع إلى الكوفة ، وقتل رحمه الله ، واستخلف الحسن ، وسار سيرة أبيه ، ثم بعث بالبيعة إلى معاوية .

                                                                                            قلت : في الصحيح بعضه .

                                                                                            رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية