الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            10444 وعن عبيد الله بن عياض بن عمرو القارئ : أنه جاء عبد الله بن شداد بن الهاد فدخل على عائشة ، ونحن عندها جلوس ، مرجعه من العراق ليالي قتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقالت له : يا ابن شداد بن الهاد هل أنت صادقي عما أسألك عنه ؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي بن أبي طالب ؟ قال : وما لي لا أصدقك ، قالت : فحدثني عن قصتهم . قال : فإن علي بن أبي طالب لما كاتب معاوية ، وحكم الحكمان ، خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس ، فنزلوا بأرض يقال لها : حروراء - من جانب الكوفة - وإنهم عتبوا عليه ، فقالوا : انسلخت من قميص كساكه الله ، اسم سماك الله به ، ثم انطلقت فحكمت في دين الله ، فلا حكم [ ص: 236 ] إلا لله . فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه ، وفارقوه عليه ، فأمر مؤذنا فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا من قد حمل القرآن ، فلما امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم ، فوضعه بين يديه ، فجعل يصكه بيده ، ويقول : أيها المصحف ، حدث الناس . فناداه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما تسأل عنه إنما هو مداد في ورق ، يتكلم بما رأينا منه ، فما تريد ؟ . قال : أصحابكم أولاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله ، يقول الله في كتابه في امرأة ورجل " : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما . فأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم حرمة أو ذمة من رجل وامرأة . ونقموا علي أني لما كاتبت معاوية كتبت : علي بن أبي طالب ، وقد جاء سهيل بن عمرو فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بسم الله الرحمن الرحيم " . قال : لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : " وكيف نكتب ؟ " قال سهيل : اكتب : باسمك اللهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فاكتب : محمد رسول الله " فقال : لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك ، فكتب : " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشا " . يقول الله في كتابه : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .

                                                                                            فبعث إليهم عبد الله بن عباس ، فخرجت معه حتى إذا توسطنا عسكرهم ، قام ابن الكواء ، فخطب الناس ، فقال : يا حملة القرآن ، هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فليعرفه ، فأنا أعرفه من كتاب الله ، هذا ممن نزل فيه وفي قومه : " قوم خصمون " . فردوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله .

                                                                                            قال : فقام خطباؤهم فقالوا : والله لنواضعنه الكتاب ، فإن جاء بالحق نعرفه لنتبعنه ، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطل ، ولنردنه إلى صاحبه ، فواضعوا عبد الله بن عباس الكتاب ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب ، فيهم ابن الكواء حتى أدخلهم علي على الكوفة . فبعث علي إلى بقيتهم ، قال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، فقفوا حيث شئتم بيننا وبينكم : أن لا تسفكوا دما حراما ، أو تقطعوا سبيلا ، أو تظلموا ذمة ، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء : إن الله لا يحب الخائنين .

                                                                                            فقالت له عائشة : يا ابن شداد ، فقد قتلهم ؟ قال : فوالله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل ، وسفكوا الدماء ، واستحلوا الذمة . فقالت : والله ؟ قال : [ ص: 237 ] والله الذي لا إله إلا هو لقد كان .

                                                                                            قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثونه يقولون : ذا الثدية ؟ مرتين . قال : قد رأيته ، وقمت مع علي عليه في القتلى فدعا الناس ، فقال : أتعرفون هذا ؟ فما أكثر من جاء يقول : رأيته في مسجد بني فلان يصلي . ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذاك . قالت : فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق ؟ قال : سمعته يقول صدق الله ورسوله ، قالت : فهل رأيته قال غير ذلك ؟ قال : اللهم لا ، قالت : أجل ، صدق الله ورسوله ، يرحم الله عليا ، إنه كان من كلامه لا يرى شيئا يعجبه إلا قال : صدق الله ورسوله ، فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدون في الحديث . رواه أبو يعلى ، ورجاله ثقات .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية